تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٧٦٥
تخفيف اللّه على عباده في قيام الليل
الإسلام كله دين يسر، وسهولة، وتخفيف، قد يفرض أو يطلب فيه شي ء لظرف من الظروف في فاتحة الوحي الإلهي، ثم يرفع الفرض أو الندب مثل قيام الليل، وذلك فضل من اللّه ورحمة، وإحسان ونعمة، ليكون المطلوب على جهة الدوام والاستمرار موصوفا بصفة اليسر ودفع الحرج والمشقة. وآيات التخفيف متنوعة، منها ما ورد في قيام الليل الذي كان مطلوبا إما على جهة الوجوب أو على الندب، بحسب الخلاف المذكور بين العلماء :
[سورة المزمل (٧٣) : آية ٢٠]
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥» [المزمّل : ٧٣/ ٢٠].
إن ظروف طروء المرض، والتجارة، والجهاد في سبيل اللّه اقتضت التخفيف عن النبي وأمته في شأن عبادة الليل، واللّه محيط علمه بكل شي ء.
فإن اللّه تعالى يعلم أيها الرسول أنك تقوم ممتثلا أمر ربك، تاركا النوم والراحة لمدة هي أقل من ثلثي الليل أحيانا، وأحيانا تقوم نصفه أو ثلثه أو أدنى من الثلث، بحسب قدراتهم مع عذر النوم. إما على سبيل الوجوب وإما على سبيل الندب، بحسب الخلاف المتقدم بين العلماء، في أوائل سورة المزمّل. وتقوم معك ذلك القدر في قيام الليل طائفة من أصحابك، واللّه يجازيكم على ذلك أحسن الجزاء.
(٢) تطيقوه.
(٣) يسر عليكم وخفف عنكم.
(٤) الضرب في الأرض : هو السفر للتجارة وغيرها.
(٥) يطلبون الرزق من اللّه بالتجارة وغيرها.