تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٧٦٩
قال جمهور المفسرين : نودي بالمدثّر، لما
ورد في البخاري من أنه صلّى اللّه عليه وسلّم لما فرغ من رؤية جبريل عليه السّلام على كرسي بين السماء والأرض، فرعب منه، ورجع إلى خديجة.
وهذه توجيهات أولية ضرورية ونافعة للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم بعد بدء الوحي، تشتمل على البدء بالإنذار، وتكبير اللّه، وتطهير نفسه وقلبه، والتّرفع عن محقّرات الأخلاق كإعطاء القليل لأخذ الكثير، والصبر في دعوته لربّه، وتذكّر هول يوم القيامة الشديد على الكافرين.
- وأول هذه التوجيهات : بدء التبليغ تبشيرا وإنذارا، فيا أيها النّبي الذي قد تدثّر بثيابه، أي تغطى بها رعبا من رؤية الملك عند نزول الوحي أول مرة : انهض بواجب الرسالة، وخوّف أهل مكة وجميع الخلق من عذاب اللّه ووقائعه بالأمم، إن لم يسلموا، وهو أمر بترك العزلة، والاستعداد للاختلاط ونشر الدعوة.
- وعظّم اللّه وصفه بالكبرياء، في عبادتك وكلامك وجميع أحوالك، فإنه أكبر من أن يكون له شريك، فالشّرك كفر وضلال، وسبب لغضب الرحمن، وتوحيد اللّه تعالى أساس دعوتك.
- وطهّر قلبك ونفسك من أدران المعصية، وثيابك واحفظها من النجاسات، لأن الإسلام دين الطّهر والنظافة، والصحة والنقاء، وهو دين الطهارتين : المعنوية الروحانية، والحسّية الجسدية. والآية دليل على تعظيم اللّه تعالى، وتنزيهه عما يقول عبدة الأوثان، وعلى نظافة الجسد والثياب، وتحسين الأخلاق، واجتناب المعاصي.
- واترك تركا أبديا الرّجز، أي الأصنام والأوثان، فلا تعبدها، فإنها سبب العذاب، واهجر جميع الأسباب والمعاصي المؤدية إلى العذاب الدنيوي والأخروي.
والآية دليل على وجوب الاحتراز من كبائر المعاصي كالشّرك أو الوثنية، بل وعن جميع المعاصي.


الصفحة التالية
Icon