تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٧٧٦
بكثير، إن سقر (و هي جهنم) لإحدى الدّواهي العظام، لإنذار البشر وتخويفهم من عقاب الله تعالى على العصيان.
- وإن جهنم إنذار واضح لمن أراد أن يتقدم إلى الخير والطاعة، أو إلى الجنة بالإيمان، أو يتأخّر عن ذلك إلى الشّرّ والمعصية أو إلى النار، لإنذار البشر من عقاب الله على العصيان. قال ابن عباس : هذا تهديد وإعلام أن من تقدم إلى الطاعة والإيمان بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم، جوزي بثواب لا ينقطع، ومن تأخّر عن الطاعة وكذّب محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم، عوقب عقابا لا ينقطع. وقال الحسن البصري : لا نذير أدهى من النار.
ليس لكل امرئ إلا جزاء عمله، فكل نفس مأخوذة بعملها، مرتهنة به، فإن كان العمل خيرا خلّصها وأعتقها من العذاب، وإن كان شرّا أوبقها في النار، أي إن المقصّر مرتهن بسوء عمله.
لكن أصحاب اليمين (و الاستثناء هنا منفصل أو منقطع) لأنهم لم يكتسبوا ما هم به مرتهنون. وهم في جنات يتنعمون، يسأل بعضهم بعضا عن أحوال المجرمين في النار، ما الذي أدخلكم في جهنم؟ والمقصود من السؤال : زيادة التوبيخ والتخجيل.
فأجابوا بأن هذا العذاب لأمور أربعة : لم نكن في الدنيا نؤدي الصلاة المفروضة، ولم نحسن إلى أحد، فلم نطعم الفقير المحتاج ما يجب إعطاؤه، وكنا نخالط أهل الباطل في باطلهم، أي كلما غوى غاو غووا معه، وكنا نكذب بيوم الجزاء أي القيامة، حتى أتانا الموت. والتكذيب بيوم القيامة كفر صراح بالله تعالى. فهذه أسباب أربعة لازمتنا طوال حياتنا الدنيوية : ترك الصلاة، والزكاة، والخوض في باطل الكلام أو الغواية، وإنكار البعث والحساب والجزاء. وكون الأمرين الأولين سبب النار دليل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة.
فمن كان متّصفا بمثل هذه الصفات، فلا تنفعه يوم القيامة شفاعة شافع فيه، من ملائكة وأنبياء وصالحين، لأن مصيرهم إلى النار حتما.