تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٧٩٤
ربّهم بشراب غير ما سبق، يطهّر بواطنهم من الحسد والحقد والبغضاء والأذى، وسائر الأخلاق الرديئة، كما روي عن علي رضي اللّه عنه.
وعلّة هذا الفضل والنعيم : أنه يقال لهؤلاء الأبرار الممتّعين بالجنان، تكريما لهم وإحسانا إليهم : إن هذا المذكور من أنواع النعيم، كان لكم جزاء لأعمالكم، أي ثوابا لها، وجزاكم اللّه تعالى على القليل بالكثير، ويقبل طاعتكم، فشكر اللّه تعالى لعمل عبده : هو قبول لطاعته. وهذا مثل قوله تعالى في آية أخرى : كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ [الحاقّة : ٦٩/ ٢٤]. وقوله تعالى : وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف : ٧/ ٤٣].
إنها نعم اللّه تعالى السابغة العظيمة، الدائمة، فليست نعم اللّه مقصورة على الدنيا، وإنما برحمة اللّه تشمل الآخرة، ونعم الآخرة أعظم وأكثر وأشمل من نعم الدنيا.
تثبيت النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم في مواجهة أفعال قريش
كان كل رسول يواجه معارضة شديدة لدعوته من قومه أو المرسل إليهم، وكان هذا هو الظاهرة القائمة من أفعال قريش وأحوالهم، حيث نسبوا الرسول محمدا إلى الكهانة والسّحر، فثبّت اللّه تعالى رسوله محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم، وبيّن للقوم أن القرآن كلام اللّه ووحيه، وأمره بالصبر على أذى قومه، وبالسّجود والصلاة، وبذكر ربّه بكرة وأصيلا، فهم قوم يؤثرون الدنيا على الآخرة، وشريعة اللّه ووحيه تذكرة وعظة لمن أراد النجاة بين يدي اللّه عزّ وجلّ، بمشيئة اللّه، وكل شي ء من أفعال البشر لا يقع إلا بمشيئة إلهية، كما يتضح من الآيات الآتية :


الصفحة التالية
Icon