تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٨٠١
وجعلنا كل حال على الصفة التي أردنا، فنعم المقدّر وهو اللّه، أو نعم المقدّرون له نحن. والهلاك والعذاب في يوم القيامة لم كذّب بقدرتنا على ذلك، وبهذه النّعم. وهذا تخويف وتوبيخ من وجهين : هما أن النّعمة كلما كانت أعظم كان كفرها أفحش، والقادر على الخلق الأول قادر على الإعادة.
ثم عدّد اللّه تعالى نعمه الثلاث في الآفاق بعد نعمة تكوين الأنفس وهي : ألم نجعل الأرض ضامّة للأحياء على ظهرها في منازلهم، والأموات في بطنها تضمّهم وتجمعهم؟ وجعلنا في الأرض جبالا ثوابت عاليات، لئلا تميد وتضطرب بكم، وأسقيناكم من ينابيعها، أو من السّحاب ماء عذبا صافيا. وهذا كله أعجب من البعث.
ويل، أي عذاب وهلاك شديد في الآخرة، لمن كذب أو كفر بهذه النّعم، وويل لمن تأمل في هذه المخلوقات الدالّة علىيَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠)
«١» «٢» «٣» [المرسلات : ٧٧/ ٢٩- ٥٠].
هذه تهديدات متوالية للكفار، يقال لهم من خزنة جهنم : انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون من عذاب الآخرة. ذلك العذاب سيروا فيه إلى ظل من دخان جهنم، متشعب ثلاث شعب، فإن لهب النار إذا ارتفع وتصاعد دخانه، تشعب إلى ثلاث شعب من شدته وقوته، وليس للنار ظل يمنع الحر ولا البرد، ولا يرد الحر ولا يفيد شيئا في تخفيف العذاب. واللهب : ما يعلو على النار بعد اشتعالها. وشرر هذه النار متفرق، كل شرارة ترمي بها هي كالقصر (البناء العظيم) في العظم والارتفاع، وكالإبل الصفر في اللون والكثرة والتتابع وسرعة الحركة. وهلاك وعذاب وخزي يومئذ في القيامة للمكذبين رسل اللّه وآياته. ولا عذر ولا حجة لأولئك المعذّبين فيما ارتكبوا من قبائح ومنكرات، فهم لا يتكلمون في ذلك اليوم، لهول ما يرون، وللحيرة والدهشة التي تعتريهم، ولا يأذن اللّه لهم بالكلام، فيكون لهم اعتذار، لقيام
(٢) مكر أو حيلة.
(٣) جمع ظل.