تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٨٣٠
الذّهن على حقارة المرء الواحد، وقلة دفاعه عن نفسه، والآيات من أول السورة إلى هنا شرط، وجوابه : عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (١٤).
هذه أوائل مفاجات البعث، ذكرت بعد مقدماته. وجاء هذا التفصيل، لتفصيل ما أجمل في سورة (ق) عند بيان ما يسبق الحساب، فقال اللّه تعالى في سورة (ق) :
وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) [ق : ٥٠/ ٢٠]. وجاء هنا في سورة التكوير : إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) إلى قوله تعالى : وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧).
وعلى العكس من ذلك أجمل في سورة التكوير ما يحصل في يوم الحساب، حيث اكتفي بسؤال الموءودة، وتسعير جهنم، وتقريب الجنة، وفي سورة (ق) فصّل اللّه كثيرا مما يحدث في الحساب، حيث قال اللّه تعالى : وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) [٥٠/ ٢١]. وما جاء بعدها من الآيات الكريمة الدقيقة الوصف، في تقديم القرين من الملائكة ما أوكل به، وما يحدث من جدل حاد بين المرء وقرينه، من الكفرة الجاحدين، ثم تضمهم جميعا جهنم، وتتطلب المزيد من هؤلاء.
وقوله تعالى : عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (١٤) إجمال يثير الرعب والقلق والخوف، حيث ينسى الإنسان عادة ما قدم في الدنيا، فيفاجأ بما يجده في صحيفته من تفاصيل الأعمال، ولا أمل في تجاوز المخاطر إلا بأن تطفو الحسنات على السيئات، وبأن تعم الرحمة والفضل الإلهي العباد المقصرين.
إن هذا المشهد من تقلبات الدنيا ومألوفاتها يوم القيامة، يعدّ وحده مثارا للمخاوف، وهو بإيجازه يحتاج إلى مئات الصفحات لرصد الدقائق وما يترتب على التبدلات من إنذارات بالعذاب.