تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٨٣٣
في التعليم والتبليغ، ثم نفى اللّه تعالى عن القرآن أن يكون كلام شيطان، حيث ردّ اللّه على ما قالت قريش : إن محمدا كاهن. أي وليس القرآن بقول شيطان يسترق السمع، مبعد مرجوم بالكواكب واللعنة وغير ذلك، لأن القرآن ليس بشعر ولا كهانة، كما قالت قريش.
فأيّ طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي قد بينت لكم؟ وأين تذهب عقولكم في تكذيبكم بهذا القرآن، مع ظهوره ووضوحه، وبيان كونه حقا من عند اللّه تعالى؟ فهذا تقرير وتوقيف، على معنى : أين المذهب (مقر الذهاب) لأحد عن هذه الحقائق؟! ما القرآن إلا موعظة للخلق أجمعين، وتذكير لهم بما ينفعهم، وتحذير لهم مما يضرهم، لمن أراد من البشر أن يستقيم على الحق والإيمان والطاعة، فمن أراد الهداية، فعليه بهذا القرآن، فإنه مناجاة له وهداية، ولا هداية فيما سواه. والذكر هنا : مصدر بمعنى التذكرة. وخصص اللّه تعالى من شاء الاستقامة بالذكر، تشريفا وتنبيها وبيانا لتكسبهم أفعال الاستقامة.
ثم بيّن اللّه تعالى أن تكسّب المرء على العموم، في استقامة وغيرها : إنما يكون مع خلق اللّه تعالى، واختراعه الإيمان في صدر المرء، فقال : وَما تَشاؤُنَ.. أي وما تريدون الاستقامة، ولا تقدرون على ذلك إلا بمشيئة اللّه وتوفيقه، فليست المشيئة موكولة إليكم، فمن شاء اللّه اهتدى، ومن شاء ضل، بل كل ذلك تابع لمشيئة اللّه تعالى رب الإنس والجن والعالم كله. آمنا بالله وبما يشاء.
روي أنه لما نزل قوله تعالى : لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) قال أبو جهل : هذا أمر قد وكل إلينا، فإن شئنا استقمنا، وإن لم نشأ لم نستقم، فنزلت : وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «١».