تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٨٥٣
أشد من الحجارة قسوة، تجردوا من الإنسانية والرحمة، وتمكن الكفر والباطل والضلال منهم.
وسبب هذا التعذيب والإحراق بالنار : أن جبابرة أهل الكفر هؤلاء في نجران اليمن، لم ينكروا ولم يعيبوا شيئا على المؤمنين إلا إيمانهم، وتصديقهم بالله تعالى الذي لا يغلب، المحمود على كل حال، مالك السماوات والأرض، وإليه الأمر كله، فهو الحقيق بالإيمان به وبتوحيده، واللّه شاهد عالم بما فعلوا بالمؤمنين، لا تخفى عليه خافية، وسيجازيهم بالجزاء الأوفى على أفعالهم، وهذا وعيد شديد لأصحاب الأخدود وأمثالهم، ووعد طيب بالخير لمن عذّب من المؤمنين على دينه، فصبر ولم يتراجع في موقف الشدة.
والجزاء يجمع الفريقين، فإن الذين أحرقوا بالنار المؤمنين والمؤمنات بالله ورسله، ولم يتركوهم أحرارا في دينهم، وأجبروهم إما على الإحراق، وإما على الرجوع عن دينهم، ثم لم يتوبوا من قبيح صنيعهم وفحش كفرهم، فلهم في الآخرة عذاب جهنم بسبب كفرهم، ولهم عذاب الاحتراق بالنار، لأن الجزاء من جنس العمل، وعذاب الحريق تأكيد لعذاب جهنم، أو أن جهنم والحريق : طبقتان من النار.
وقوله تعالى : ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا دليل على إصرارهم على الكفر، وأنهم لو تابوا عن سوء فعلهم، وندموا، لغفر اللّه لهم، ولكنهم لم يفعلوا.
وأما الذين آمنوا وصدقوا بالله ربا واحدا لا شريك له، وبالرسل وباليوم الآخر والملائكة والكتب الإلهية، وعملوا صالح الأعمال باتباع أوامر اللّه، واجتناب نواهيه، ومنهم الذين صبروا على نار الأخدود، وثبتوا على دينهم، ولم يرتدوا، لهم بهاتين الصفتين : الإيمان والعمل الصالح، جنات تجري من تحت قصورها وأشجارها