تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٨٥٩
المعنى : أقسم بالسماء البديعة، والكوكب المنير البادي ليلا، وما أعلمك ما حقيقته أيها النبي؟ إنه النجم المضي ء ليلا لتبديد شدة الظلمة، كأنه يخرق أو يثقب حجب الظلام، والقسم بالكواكب للدلالة على أن لها خالقا مدبرا منظما لها.
والطارق : اسم جنس لكل ما يظهر أو يأتي ليلا، فسره ما بعده بأنه النجم الثاقب.
وجواب القسم : ما كل نفس إلا عليها من اللّه حافظ، يحرسها من الآفات، وهم الحفظة من الملائكة الذين يحفظون عليها عملها وقولها وفعلها، وما تكسبه من خير أو شر. وكلمة (لما) بمعنى إلا، و(إن) على ذلك : نافية، أي ما كل نفس إلا عليها حافظ.
ثم نبّه اللّه تعالى الإنسان إلى مبدأ خلقه ليتعظ، ويستدل به على إمكان المعاد، في قوله : فَلْيَنْظُرِ أي فعلى الإنسان أن يتفكر في كيفية بدء خلقه، ليعلم قدرة اللّه على ما هو دون ذلك من البعث، إنه خلق من ماء مدفوق مصبوب في الرحم، وهو ماء الرجل وماء المرأة، وقد جعلا ماء واحدا لامتزاجهما. يخرج من ظهر الرجل في النخاع الشوكي الآتي من الدماغ، ومن بين ترائب المرأة، أي عظام صدرها، أو موضع القلادة من الصدر. والولد يتكون من اجتماع الماءين، ثم يستقر الماء المختلط في الرحم، فيتكون الجنين بإرادة اللّه تعالى.
إن اللّه تعالى قادر على إرجاع الإنسان إليه، أي إعادته بالبعث بعد الموت، لأن من قدر على البداءة والإنشاء، قادر على الإعادة والإحياء مرة أخرى. وإرجاعه يوم القيامة يوم تختبر وتعرف السرائر، أي مكنونات النفوس والقلوب من العقائد والنيات والأسرار وغيرها.
وليس للإنسان حين بعثه من قوة في نفسه أو من غيره، يمتنع بها من عذاب اللّه،