تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٨٦٩
أخرج ابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وعبد بن حميد، عن قتادة قال : لما نعت اللّه ما في الجنة، عجب من ذلك أهل الضلالة، فأنزل اللّه تعالى : أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) هذه طائفة من الأدلة على وجود اللّه ووحدانيته وقدرته، على الناس أن ينظروا فيها، ويتأملوا بعجيب خلقها، ليهتدوا إلى الإيمان باليوم الآخر. كيف يصح للمشركين إنكار البعث واستبعاد وقوعه؟ وهم يشاهدون الإبل التي هي غالب مواشيهم وأكبر مخلوقاتهم في بيئتهم، كيف خلقها اللّه على هذا النحو البديع، من عظم الجثة، وقوة الجسد، وجمال الوصف، فهي خلق عجيب، وتركيب غريب. ومع ذلك تلين للحمل الثقيل، وتنقاد للولد الصغير، وتؤكل بعد الذبح، وينتفع بأوبارها، وألبانها، وجلودها، وتصبر على الجوع والعطش.
ودليل آخر هو : ألا يشاهدون السماء كيف رفعت فوق الأرض بلا عمد؟! وينظرون إلى الجبال الضخمة العالية المنصوبة على الأرض، فإنها ثابتة لئلا تميد الأرض بأهلها أثناء دورانها.
وينظرون إلى الأرض كيف بسطت ومدت ومهّدت، ليستقر عليها سكناها، وينتفعوا بما فيها من خيرات ومعادن دفينة، وما تخرجه من نباتات وزروع وأشجار متنوعة، بها قوام الحياة والمعيشة.
وتسطيح الأرض إنما هو بالنسبة للناظر إليها من كثب (أي قرب)، والمقيم عليها في بعض نواحيها، ولا يعني ذلك أنها ليست بكروية، لأن الكرة- كما ذكر الفخر الرازي- إذا كانت في غاية العظمة، يكون كل قطعة منها كالسطح.
وإنما ذكرت هذه المخلوقات دون غيرها، لأنها أقرب الأشياء إلى الإنسان الناظر فيها.