تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٨٧٦
بالجزاء والحساب، وإظهار آيات قدرته وسلطانه وقهره، ويقف الملائكة مصطفين صفوفا للحراسة والحفظ. وتكشف للناظرين جهنم بعد غيبتها وحجبها عنهم، كما في آية أخرى : وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (٣٦) [النازعات : ٧٩/ ٣٦].
في ذلك اليوم الرهيب يتذكر الإنسان أنه أخطأ وقصر، وكذب وعصى، وفرط وطغى، ويندم على ما قدم في الدنيا من الكفر والمعاصي، وعلى ما عمل من أعمال السوء، ولكن هل تنفعه الذكرى؟ أي : وأنى له نفع الذكرى؟ لا تنفعه، فقد فات الأوان، وإنما كانت تنفعه الذكرى لو تذكر الحق قبل حضور الموت، ويقول الإنسان الذي عصى في الدنيا : يا ليتني قدمت عملا ينفعني في تلك الحياة الأبدية، وكأنها هي الحياة فقط، يا ليتني قدمت الخير والعمل الصالح لحياتي الأخروية الدائمة الباقية، فهي الحياة الأخيرة الخالدة لأهل النار ولأهل الجنة جميعا.
وقوله تعالى : لِحَياتِي معناه عند جمهور المتأولين : لحياتي الباقية، أي الآخرة، وقال بعض المتأولين : المعنى : لوقت أو لمدة حياتي الماضية في الدنيا، واللام بمعنى الوقت.
وجواب قوله : إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ.. في قوله : فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ.. أي في يوم القيامة لا يتولى أحد تعذيب العصاة وحسابهم وجزاءهم إلا اللّه، ولا يتولى إحكام الوثاق أو الربط بالسلاسل والأغلال للكافر أحد إلا اللّه، ولا يعذّب أحد مثل عذاب اللّه. وفي هذا ترغيب بالعمل الصالح والإيمان، وترهيب من الكفر والعصيان.
فالضمير في (عذابه) و(وثاقه) لله تعالى، والمصدر مضاف إلى الفاعل. وقد جمعت الآية معنيين :
أحدهما- أن اللّه تعالى لا يكل عذاب الكفار يومئذ إلى أحد.
والآخر- أن عذابه من الشدة في حيّز لم يعذّب قط أحد بمثله في الدنيا، وهذا شأن الإنسان المادي.