تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٨٨٣
المعنى : أقسم بالشمس المضيئة نفسها، سواء غابت أم طلعت، وبضوئها وضحاها الذي يعم الأفق، لأنه مبعث حياة الأحياء، وأقسم بالقمر المنير إذا تبع الشمس في الطلوع بعد غروبها، أو أقسم برب الشمس والضحى والقمر، والضحى : ارتفاع الضوء وكماله، أو هو النهار كله، أو حر الشمس، والقمر يتلو الشمس من أول الشهر إلى نصفه في الغرب، تغرب هي ثم يغرب هو، ويتلوها في النصف الآخر بنحو آخر، وهو أن تغرب هي فيطلع هو. والواقع أن هذا اتباع لا يختص بنصف أول الشهر ولا بآخره.
وأقسم بالنهار إذا جلّى الشمس وكشفها وأظهر تمامها، ففي اكتمال النهار اكتمال وضوح الشمس. وأقسم بالليل إذا يغشى الشمس ويغطي ضوءها بظلمته، فيزيل الضوء وتغيب الشمس، وتظلم الدنيا في نصف الكرة الأرضية، ثم تطلع في النصف الآخر، وهذا رد على المشركين الذين يؤلهون الكواكب، والثنوية الذين يقولون بإلهين اثنين : النور والظلمة، لأن الإله لا يغيب ولا يتبدل حاله.
ثم ذكر اللّه تعالى صفات الكون حيث قال : وأقسم بالسماء وبناء اللّه تعالى لها بالكواكب، وأقسم بالأرض والذي بسطها من كل جانب، وجعلها ممهدة موطأة للسكنى.
وقوله : وَما بَناها ووَ ما طَحاها ما فيهما : بمعنى الذي، أي ومن بناها، لأن (ما) تقع عامة لمن يعقل ولمن لا يعقل، فيجي ء القسم بنفسه تعالى، ويحتمل أن تكون (ما) في جميع ذلك مصدرية، كأنه تعالى قال : والسماء وبنيانها.
وأقسم بالنفس الإنسانية، والذي خلقها سوية مستقيمة، على الفطرة القويمة، وتسويتها : إكمال عقلها ونظرها، وإعطاؤها ما تحتاجه لتدبير البدن، وهي الحواس الظاهرة والباطنة، ثم ألهمها وأفهمها ما هو شر وفجور، وما هو خير وتقوى، وما


الصفحة التالية
Icon