تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٨٩٢
جدك عبد المطلب، ثم عمك أبو طالب. حيث مكث بعد وفاة أمه آمنة سنتين عند عبد المطلب، وله من العمر ثمان سنين، ثم كفله عمه أبو طالب إلى أن أتم أربعين سنة حيث بعثه اللّه نبيا.
ووجدك ربك غافلا (ضالا) عن أحكام الشرائع، حائرا في معرفة أصح العقائد، فهداك لذلك، ووجدك فقيرا ذا عيال لا مال لك، فأغناك بربح التجارة في مال خديجة، وبما منحك اللّه من البركة والقناعة.
أخرج الشيخان في الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس».
ثم أمره ربه ببعض الأخلاق الإنسانية المحضة، وطالبه بشكر اللّه على نعمه، حيث قال : فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ أي كما كنت يتيما فآواك اللّه، فلا تستذل اليتيم ولا تتسلط عليه بالظلم لضعفه، بل أدّه حقه، وأحسن إليه، وتلطف به، واذكر يتمك.
فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحسن إلى اليتامى ويبرهم ويوصي بهم خيرا. ويتم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لئلا يكون عليه حق لمخلوق، كما قال الإمام جعفر الصادق.
وكما كنت مخطئا في العقيدة، فهداك اللّه، فلا تنهر السائل المسترشد في العلم والدين أو طلب المال، ولا تزجره، بل أجبه، أو ردّ عليه ردا جميلا، والضلال هنا :
بمعنى الخطأ والمباينة عما آل إليه في حال النبوة والرسالة، وليس بمعنى الكفر والضلال البعيد، فإنه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يعبد صنما قط.
وتحدث بنعمة ربك عليك، واشكر هذه النعمة العظمى : وهي النبوة والقرآن، ومضامين الآيات. والتحدث بنعمة اللّه شكر، فكما كنت عائلا فقيرا، فأغناك اللّه، فتحدث بنعمة اللّه عليك، والمعنى في النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : أنه أغنى الأغنياء بالصبر والقناعة، وقد حبّبا إليه.