تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٩٠٢
«
١»
«٢» «٣» [العلق : ٩٦/ ١- ١٩].
اقرأ مبتدئا باسم ربك، أو مستعينا باسم ربك، الذي خلق كل شي ء، خلق كل إنسان في مجال التناسل والتكاثر من قطعة دم جامد، وهي العلقة، التي هي أحد أطوار خلق الإنسان، حيث يبدأ من نطفة، ثم يتحول إلى علقة، ثم يكون مضغة : قطعة لحم.
وإنما قال : باسم ربك، ولم يقل : باسم اللّه، لما في لفظ الرب من معنى التربية وتعهد المصلحة، وذلك مناسب للأمر بالعبادة، وأضاف اللّه ذاته إلى رسوله، بقوله :
بِاسْمِ رَبِّكَ للدلالة على أن فائدة العبادة تصل للرسول، وليس للّه تعالى.
افعل ما أمرت به من القراءة، وربك الذي أمرك بالقراءة : هو الأكرم من كل كريم، ومن كرمه : تمكينك من القراءة وأنت أمي. وكرر اللّه تعالى كلمة اقْرَأْ للتأكيد، ولأن القراءة لا تتحقق إلا بالتكرار والإعادة. وقوله : وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ لإزالة المانع والعذر الذي اعتذر به النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لجبريل عليه السّلام، حين طلب منه القراءة، بقوله اقْرَأْ فقال : ما أنا بقارئ، أي لست متعلما القراءة.
ثم قرن اللّه الأمر بالكتابة مع الأمر بالقراءة بقوله تعالى : الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) أي علّم الإنسان الكتابة بالقلم، فهو نعمة عظيمة من اللّه تعالى، وواسطة للتفاهم بين الناس، كالتعبير باللسان، ولولا الكتابة لزالت العلوم، ولم يبق أثر للدين وأحكام الشرائع الإلهية وغيرها، ولم يصلح عيش، ولم يستقر نظام، ولا تمكنت الشعوب والأمم من الاستفادة من علوم ومعارف وثقافات الشعوب الأخرى، ولا عرف تاريخ الماضين، ولا تحدد مستقبل البشرية والثقافة في مختلف البلاد.

(١) أهل النادي.
(٢) الملائكة الموكلين بالإشراف على المعذبين في النار.
(٣) تقرب إلى ربك بالطاعة.


الصفحة التالية
Icon