تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٩٢٣
هاوية : وهي الهالكة، لأنه يهوي فيها مع عمق قعرها، ولأنها نار عتيقة.
روى المبرد :
أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«لا أمّ لك» فقال : يا رسول اللّه، تدعوني إلى الهدى وتقول : لا أم لك؟ فقال : إنما أريد، لا نار لك، قال اللّه تعالى : فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ
و ما أعلمك ما هذه النار؟ والاستفهام للتهويل والتخويف، لبيان أنها خارجة عن المعهود، بحيث لا يدرى كنهها، إنها النار الملتهبة الشديدة الحرارة والاستعار، القوية اللهب والارتفاع، وهذا دليل على قوتها التي تفوق جميع النيران. قال الزمخشري :
هِيَهْ ضمير الداهية التي دل عليها قوله : فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ أو ضمير هاوية، والهاء للسكت، وإذا وصل القارئ حذفها.
أخرج مالك والشيخان عن أبي هريرة رضي اللّه عنه : أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«نار بني آدم التي توقدون : جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، قالوا : يا رسول اللّه، إن كانت لكافية؟ فقال : إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا».
أخرج أحمد عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«هذه النار جزء من مائة جزء من جهنم».
لقد ضمت سورة القارعة صنوي التهويل العظيمين وهما القيامة وأهوالها، والنار الشديدة الحرارة ومخاوفها. والناس أمام هذا المصير فريقان : فريق المحسنين الأبرار، الذين يتمتعون بجنان الخلد، والمعيشة ذات الرضا والاطمئنان، وفريق المسيئين الأشرار الذين يتلظون بنيران جهنم، ويحترقون فيها.
ومن علامات القيامة : تغير المألوف، وزوال المعروف من تكوين السماء والأرض، حيث تتصدع السماوات وتتساقط النجوم، وتتفتت الجبال، وتحترق البحار، وتدك الأرض دكا عنيفا، وتتغير معالم الكون، في هذا الجو الرهيب يقف الإنسان حائرا مضطربا في مواجهة اللّه تعالى والحساب العسير.


الصفحة التالية
Icon