تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٩٤١
الإسلام بمكة، الذين لم يحققوا فيه، وفتنوا فافتتنوا، وكانوا على هذا الخلق من الغشم وغلظ العشرة، والفظاظة على المساكين، وربما كان بعضهم يصلي أحيانا مع المسلمين مدافعة وحيرة، فقال اللّه تعالى فيهم : فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥).
وقال ابن جريج : كان أبو سفيان ينحر كل أسبوع جزورا، فجاءه يتيم، فقرعه بعصا، فنزلت السورة فيه. وقال سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه- فيما
أخرجه ابن المنذر وابن جرير وغيرهما- : سألت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون، قال :«هم الذين يؤخرونها عن وقتها»
يريد صلّى اللّه عليه وسلّم- واللّه تعالى أعلم- تأخير ترك وإهمال. وإلى هذا نحا مجاهد.
ويؤكد هذا ما أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) قال : نزلت في المنافقين كانوا يراءون المؤمنين بصلاتهم إذا حضروا، ويتركونها إذا غابوا، ويمنعونهم العاريّة، أي الشي ء المستعار.
والمعنى : أأبصرت أيها النبي الذي يكذب بالحساب والجزاء؟! أو بالمعاد والجزاء والثواب؟ وقوله : أَرَأَيْتَ وإن كان في صورة استفهام، لكن الغرض بمثله المبالغة في التعجب. وهذا مثال آخر لكون الإنسان في خسر.
هذا الذي يكذب بالقيامة والجزاء، هو الذي يدفع اليتيم عن حقه دفعا شديدا، ويزجره زجرا عنيفا، ويظلمه حقه، ولا يحسن إليه، علما بأن عرب الجاهلية كانوا لا يورّثون النساء والصبيان.
وهذا هو الذي لا يحث نفسه ولا أهله ولا غيرهم على إطعام المسكين المحتاج، بخلا بالمال، كما جاء في آية أخرى : كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ [الفجر : ٨٩/ ١٧- ١٨].