تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٩٤٤
و هناك روايات أخرى، ومجمل الروايات كلها : أن سبب نزول هذه السورة : هو استضعاف النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، واستصغار أتباعه، والشماتة بموت أولاده الذكور، ابنه القاسم بمكة، وإبراهيم بالمدينة، والفرح بوقوع شدة أو محنة بالمؤمنين، فنزلت هذه السورة إعلاما بأن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم قوي منتصر، وأتباعه هم الغالبون، وأن موت أبناء الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم لا يضعف من شأنه، وأن مبغضيه هم المنقطعون الذين لن يبقى لهم ذكر وسمعة ولا أثر، البعيدون عن كل خير، المحرومون من أي فضل.
والمعنى : لقد منحناك الخير الكثير، ومنه نهر في الجنة، جعله اللّه كرامة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولأمته.
أخرج أحمد ومسلم وغيرهما عن أنس بن مالك قال :«أغفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إغفاءة، فرفع رأسه متبسما، فقال : إنه أنزل علي آنفا سورة، فقرأ : بسم اللّه الرحمن الرحيم : إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) حتى ختمها.
في الحديث :«هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا : اللّه تعالى ورسوله أعلم، قال : هو نهر أعطانيه ربي في الجنة، عليه خير كثير، ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد الكواكب، يختلج العبد منهم، فأقول : يا رب، إنه من أمتي، فيقال : إنك لا تدري ما أحدث بعدك».
وكما أعطيناك هذا الكوثر، فداوم على صلاتك المفروضة والنافلة، وأدّها خالصة لوجه ربك وانحر ذبيحتك وأضحيتك، وما هو نسك لك، وهو الهدي (شاة أو بعير مقدم للحرم) وغير ذلك من الذبائح للّه تعالى وعلى اسم اللّه وحده لا شريك له فإنه هو الذي تعهدك بالتربية، وأسبغ عليك نعمه دون سواه، كما قال تعالى في آية أخرى : قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣) [الأنعام : ١٦٢- ١٦٣].
وهذا على نقيض فعل المشركين، الذين كانوا يصلون لغير اللّه، وينحرون لغير اللّه، فأمر اللّه نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم أن تكون صلاته ونحره للّه، وهو أيضا نقيض فعل المنافقين