تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٩٥٩
فالصمد : هو الذي يصمد إليه في الحوائج، أي يقصد، وصمد من باب نصر، أي قصد.
والمعنى المراد : هو اللّه الذي يقصد إليه كل مخلوق، لا يستغني عنه أحد، وهو الغني عنهم. وهذا لإبطال اعتقاد المشركين العرب وأمثالهم، بوجود الوسائط والشفعاء. قال ابن عباس في تفسير الصمد : يعني الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم، وهو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو اللّه سبحانه، هذه صفته، لا تنبغي إلا له، ليس له كف ء، وليس كمثله شي ء، سبحان اللّه الواحد القهار.
وليس لله مصدر ولا ذرية فهو لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) أي إنه سبحانه لم يصدر عنه ولد، ولم يصدر هو عن شي ء، لأنه لا يجانسه شي ء، ولأنه قديم غير محدث، لا أول لوجوده، وليس بجسم. وهذا نفي للشبه والمجانسة، ووصف بالقدم (الأزلية) والأولية، ونفي الحدوث. بل ونفي النهاية والفناء، كما في آية أخرى : هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ [الحديد : ٥٧/ ٣].
ثم إن الجملة الأولى لَمْ يَلِدْ ذات هدف مزدوج، فهي نفي لوجود الولد لله، ورد على المشركين الذين زعموا أن الملائكة بنات اللّه، وعلى اليهود القائلين :
عزير : ابن اللّه، وعلى النصارى الذين قالوا بالتثليث، وبأن المسيح ابن اللّه، وعلى المانوية القائلين بألوهية النور والظلمة، وعلى الصابئة الذين يعبدون النجوم. وكذلك الجملة الثانية مزدوجة الأثر : نفي لوجود الوالد، وسبق العدم، بمعنى أنه لم يكن غير موجود ثم وجد.