تفسير الوسيط (الزحيلي)، ج ٣، ص : ٢٩٦٦
قل أيها الرسول : ألجأ وأستعين بالله مربي الناس ومتعهدهم بعنايته ورعايته وخالقهم، ومدبر أمرهم، ومصلح أحوالهم، مالك الناس ملكا تاما، وله السلطان القاهر، وهو الإله المعبود الذي يعبده الناس، واسم الإله : خاص بالله، لا يشاركه فيه أحد. وأما الملك : فقد يكون إلها وقد لا يكون.
وهذه صفات ثلاث لله عز وجل : الربوبية، والملك، والألوهية، فهو رب كل شي ء، ومليكه، وإلهه، فجميع الأشياء مخلوقة له، مملوكة عبيد له. وإنما قدم الربوبية لمناسبتها للاستعاذة، فهي تتضمن نعمة الصون والحماية والرعاية، ثم ذكر الملكية، لأن المستعيذ لا يجد عونا له ولا غوثا إلا مالكه، ثم ذكر الألوهية، لبيان أنه المستحق للشكر والعبادة دون سواه.
والسبب في تكرار لفظ النَّاسِ هو مزيد البيان والإظهار، والتنويه بشرف الناس، فإنهم مخلوقات اللّه تعالى. وإنما قال : بِرَبِّ النَّاسِ مع أنه رب جميع المخلوقات، فخص الناس بالذكر للتشريف، ولأن الاستعاذة لأجلهم.
- ألجأ إلى اللّه تعالى وأحتمي من شر الشيطان ذي الوسوسة، الكثيرة الخنوس، أي الاختفاء والتأخر، بذكر اللّه تعالى، أو الراجع على عقبه المستتر أحيانا، إذا ذكر العبد اللّه تعالى وتعوذ، وتذكّر فأبصر، وإذا لم يذكر اللّه انبسط على القلب، قال ابن عباس في هذه الآية : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل، وسوس، فإذا ذكر اللّه خنس.
وتذكر اللّه يفيد التبصر، كما قال اللّه تعالى : إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف : ٧/ ٢٠١].
وكذلك يخنس الشيطان بلمّة الملك، والحياء يردع، والإيمان يزجر بقوة، فتخنس العوارض المتحركة، والشهوات العارمة، والغضب يسكن، بذكر اللّه تعالى. وقد


الصفحة التالية
Icon