ج ٢٦، ص : ٢١١
الفوائد :
- أحكام الجهاد والأسرى..
اختلف العلماء في حكم هذه الآية فقال قوم : هي منسوخة بقوله (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ).
وبقوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ). وهذا قول قتادة والضحاك والسدي وابن جريج. وإليه ذهب الأوزاعي وأصحاب الرأي، قالوا : لا يجوز المنّ على من وقع في الأسر من الكفار ولا الفداء، بل إما القتل وإما الاسترقاق، أيهما رأى الإمام ونقل صاحب الكشاف عن مجاهد قال : ليس اليوم منّ ولا فداء، إنما هو الإسلام أو ضرب العنق. وذهب أكثر العلماء إلى أن الآية محكمة، والإمام بالخيار في الرجال من الكفار إذا أسروا بين أن يقتلهم، أو يسترقهم، أو يمنّ عليهم فيطلقهم بلا عوض، أو يفاديهم بالمال أو بأسارى المسلمين وإليه ذهب ابن عمر، وبه قال الحسن وعطاء وأكثر الصحابة والعلماء. وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق. قال ابن عباس : لما كثر المسلمون واشتد سلطانهم أنزل اللّه عز وجل في الأسارى (فإما منّا بعد وإما فداء). وهذا القول هو الصحيح، ولأنه عمل النبي (صلى اللّه عليه وسلم) والخلفاء بعده.
عن أبى هريرة رضي اللّه عنه قال : بعث النبي (صلى اللّه عليه وسلم) خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له ثمامة، فربطوه في سارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : ما عندك يا ثمامة؟ فقال عندي خير يا محمد، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه النبي (صلى اللّه عليه وسلم). وفي الغد قال له : ما عندك يا ثمامة؟ فقال مثل مقالته الأولى، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) :
أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. واللّه ما كان على الأرض أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليّ. واللّه ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحب الدين كله إليّ. واللّه ما كان من بلد


الصفحة التالية
Icon