ج ٢٨، ص : ٢١٧
الدنيا والدين جميعا، من قتل الأنفس، وتمزيق الأعراض، وردهم كفارا أسبق المضارّ عندهم، وأولها، لعلمهم أن الدين أعز عليهم من أرواحهم، والعدو أهم شي ء عنده أن يقصد أعز شي ء عند صاحبه.
الفوائد :
- قصة حاطب..
روي أن مولاة لأبي عمرو بن صيفي بن هاشم، يقال لها سارة أتت رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم) بالمدينة، وهو يتجهز للفتح، فقال لها : أ مسلمة جئت؟ قالت : لا. قال :
أفمهاجرة جئت؟ قالت : لا. قال : فما جاء بك؟ قالت : احتجت حاجة شديدة.
فحث عليها بني عبد المطلب، فكسوها وحملوها وزودوها، فأتاها حاطب بن أبي بلتعة، وأعطاها عشرة دنانير، وكساها بردا، واستحملها كتابا إلى أهل مكة جاء فيه :(من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، اعلموا أن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم) يريدكم، فخذوا حذركم). فخرجت سارة ونزل جبريل بالخبر، فبعث رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم) عليا وعمارا وعمر وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرثد، وكانوا فرسانا، وقال : انطلقوا حتى تأتوا (روضة خاخ)، فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى أهل مكة، فخذوه منها وخلوها، فإن أبت فاضربوا عنقها، فأدركوها، فجحدت وحلفت، فهمّوا بالرجوع، فقال علي : واللَّه ما كذبنا ولا كذب رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم)، وسل سيفه وقال لها : أخرجي الكتاب أو تضعي رأسك. فأخرجته من عقاص شعرها. فاستحضر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم) حاطبا وقال : ما حملك على هذا؟
فقال : يا رسول اللَّه ما كفرت منذ أسلمت، ولا غششتك منذ نصحتك، ولا أحببتهم منذ فارقتهم، ولكني كنت امرءا ملصقا من قريش، ولم أكن من أنفسها، وكل من معك من المهاجرين، لهم قرابات بمكة، يحمون أهاليهم وأموالهم، فخشيت على أهلي، فأردت أن أتخذ عندهم يدا، وقد علمت أن اللَّه ينزل عليهم بأسه، وأن كتابي لا يغني عنهم شيئا فصدقه، وقبل عذره. فقال عمر رضي اللَّه عنه : دعني يا رسول اللَّه أضرب عنق هذا المنافق. فقال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم) : وما يدريك يا عمر