ج ٢٩، ص : ١٥١
الفوائد :
- كفر وعناد :
لما أنزل اللّه عز وجل على نبيه محمد (صلّى اللّه عليه وسلّم) (حم تنزيل الكتاب من اللّه العزيز العليم) إلى قوله (المصير) قام النبي (صلّى اللّه عليه وسلّم) في المسجد يصلي، والوليد بن المغيرة قريب منه، يسمع قراءته فلما فطن النبي (صلّى اللّه عليه وسلّم) لاستماعه أعاد قراءة الآية، فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه من بني مخزوم، فقال : واللّه لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجن. واللّه إن له حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو وما يعلى. ثم انصرف إلى منزله، فقالت قريش : صبأ واللّه الوليد ولتصبونّ قريش كلهم. فقال أبو جهل : أنا أكفيكموه، فانطلق حتى جلس إلى جنب الوليد حزينا، فقال له الوليد : ما لي أراك حزينا يا ابن أخي؟ فقال : وما يمنعني ألّا أحزن، وهذه قريش، يجمعون لك نفقة، يعينونك على كبر سنّك، ويزعمون أنك زينت كلام محمد، وأنك تدخل على ابن أبي كبشة وابن أبي قحافة، لتنال من فضل طعامهم فغضب الوليد وقال : ألم تعلم قريش أني من أكثرهم مالا وولدا. وهل شبع محمد وأصحابه من الطعام حتى يكون لهم فضل طعام، ثم قام مع أبي جهل، حتى أتى مجلس قومه، فقال لهم : تزعمون أن محمدا مجنون، فهل رأيتموه يحنق قط؟ قالوا : اللهم لا. قال : تزعمون أنه كاهن، فهل رأيتموه قط تكهن؟ قالوا : اللهم لا. قال : تزعمون أنه شاعر، فهل رأيتموه قال الشعر قط؟ قالوا : اللهم لا. قال : تزعمون أنه كذاب، فهل جربتهم عليه شيئا من الكذب؟ قالوا : اللهم لا. فقالت قريش للوليد فما هو؟ فتفكر في نفسه، ثم قال :
ما هو إلا ساحر. أما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله وولده ومواليه، فهو ساحر، وما يقوله سحر يؤثر فذلك قوله عز وجل :« إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ نَظَرَ. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ. ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ. فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ » فعند ما قال ذلك، ارتجّ النادي فرحا، وتفرقوا متعجبين منه.