ج ٣٠، ص : ٢٧٤
بعدها. وقال جماعة : متى سمعت (كلّا) في سورة فاحكم بأنها مكيّة، لأن فيها معنى التهديد والوعيد، وأكثر ما نزل ذلك بمكة، لأن أكثر العتوّ كان بها، وهذا كلام فيه نظر، لأن كلا أحيانا لا تحمل معنى الزجر كقوله تعالى (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون، ليوم عظيم. يوم يقوم الناس لرب العالمين. كلا إن كتاب الفجار لفي سجّين).
ورأى الكسائي وأبو حاتم ومن وافقهما أن معنى الردع والزجر ليس مستمرا فيها، فزاد فيها معنى ثانيا يصح عليه أن يوقف دونها ويبتدأ بها، ثم اختلفوا من تعيين ذلك المعنى على ثلاثة أقوال :
١ - قال الكسائي ومتابعوه : تكون معنى حقا.
٢ - قال أبو حاتم ومتابعوه : تكون بمعنى (ألا) الاستفتاحية.
٣ - قال النضر بن شميل والفراء ومن وافقهما : تكون حرف جواب بمنزلة (إي) و(نعم) وحملوا عليه قوله تعالى :(كلا والقمر) فقالوا معناه : إي والقمر.
وقول أبي حاتم أولى من قولهما، لأنه أكثر اطرادا، لأن أنّ تكسر بعد (ألا) الاستفتاحية ولا تكسر بعد حقا، ولأن تفسير حرف بحرف أولى من تفسير حرف باسم. وقد تحمل (كلا) أحيانا معنى الردع ومعنى الاستفتاح، كقوله تعالى :(رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) لأنها لو كانت بمعنى حقا لما كسرت همزة إن بعدها، ولو كانت بمعنى نعم لكانت للوعد بالرجوع، لأنها بعد الطلب، كما يقال (أكرم فلانا) فتقول :
(نعم).
[سورة المطففين (٨٣) : الآيات ٢٢ إلى ٢٨]
إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (٢٦)
وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨)