من "ما حرّم"؟
قلتُ: وجب أن تكون "ألا تشركوا"، "ولا تقربوا"، "ولا تقتلوا"، "ولا تتبعوا السُّبل" نواهي لانعطاف الأوامر عليها، وهي قوله: "وبالوالدين إحساناً"؛ لأن التقدير: وأحسنوا بالوالدين إحساناً، "وأوفوا"، "وإذا قلتم فاعدلوا"، "وبعهد الله أوفوا".
فإن قلت: فما تصنع بقوله: "وأن هذا صراطي مستقيماً" فيمن قرأ بالفتح، وإنما يستقيم عطفه على "أن لا تشركوا" إذا جعلت "أن" هي الناصبة للفعل، حتى يكون المعنى: أَتْلُ عليكم نفي الإشراك والتوحيد، وأَتْلُ عليكم أن هذا صراطي مستقيماً؟
قلتُ: أجعل قوله: "وأن هذا صراطي مستقيماً" علةً للاتباع بتقدير اللام؛ كقوله: ﴿ وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أحَدًا ﴾ [الجن: ١٨] بمعنى: ولأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه. والدليل عليه القراءة بالكسر، كأنه قيل: واتبعوا صراطي لأنه مستقيم، [أو: واتبعوا صراطي إنه مستقيم] (١).
فإن قلت: إذا جعلت "أنْ" مفسرة لفعل التلاوة وهو معلق بِ "ما حرّم ربكم" وجب أن يكون ما بعده منهياً عنه محرماً كله؛ كالشرك، وما بعده مما دخل عليه حرف النهي، فما تصنع بالأوامر؟
قلتُ: لما وردت هذه الأوامر مع النواهي وتقدمهن جميعاً فعل التحريم واشتركن في الدخول تحت حكمه، عُلِمَ أن التحريم راجع إلى أضدادها، وهي

(١) ما بين المعكوفين زيادة من الكشاف (٢/٧٥).
(١/٤٥)
---------***#@--فاصل_صفحات---@#***--------


الصفحة التالية
Icon