عن تسيير هذا الحديث.
قلتُ (١) : لولا خوف اغترار من لا بصيرة له بالعلم، لأعرضت حكاية عن مثل هذا ونزهت كتابي منه، لكني أشير إلى فساده، وفاء بما أخذه الله تعالى على العلماء من البيان، إرشاداً للناس، وكشفاً لغمة الالتباس، فأقول:
أما ما ذكره على الاستثناء: فهو كلام محتمل، إلا أنه لا يثبت على مَحكّ التحقيق؛ لأن الدار هي الدار المعدة لتعذيب الكفرة والفجرة في الآخرة، والجنة هي الدار المعدة لنعيم المؤمنين في الآخرة، [فجميع] (٢) ما يعذب به أهل النار على اختلاف أنواعه منسوب إليها، وجميع ما ينعّم به أهل الجنة على اختلاف أصنافه مضاف إليها.
وأما قوله: "لا يخدعنك قول المجبرة: أن المراد بالاستثناء خروج أهل الكبائر من النار بالشفاعة": فهو قول حبر الأمة وابن عمّ رسول الله - ﷺ - عبدالله بن العباس وجمهور المفسرين من التابعين فمن بعدهم، وعليه إجماع أئمة الإسلام، ولم يخالف في إثبات منصب الشفاعة يوم القيامة لسيد الرسل محمد - ﷺ - إلا هذه الطائفة الزائغة المنبوذة بالاعتزال، ولو شرعتُ في إيراد ما جاء في ذلك من الدلائل لطال الفصل، وقد أشرت إلى شيء من ذلك فيما مضى.
وأما قوله: "بأن الاستثناء الثاني ينادي بتكذيبهم": فهذيانٌ محض، وقد أشرنا إلى معناه وتفسيره آنفاً.
وأما قوله: "نبذوا كتاب الله": فدعوى هو مقابل بمثلها، وهذا الوصف بهم
(٢)... في الأصل: فجمع.
(١/٢٤٠)
---------***#@--فاصل_صفحات---@#***--------