فيه وخاضوه (١).
﴿ وما يَعْزُبُ عن ربك ﴾ وقرأ الكسائي: "يَعْزِبُ" بكسر الزاي هنا وفي سبأ، وهما لغتان (٢).
والمعنى: وما يغيب عن ربك، والعازب: البعيد، ومنه العَزَبُ، كأنه [بَعُدَ] (٣) عن الأهل، وتقول: امرأة عَزَبٌ وعَزَبَةٌ، وكلاهما فصيح.
﴿ من مثقال ذرة ﴾ يعني: زنة ذرة. وقد سبق الكلام على "المثقال" و"الذَّرَّة" في سورة النساء عند قوله: ﴿ إن الله لا يظلم مثقال ذرة ﴾ [النساء: ٤٠].
قوله تعالى: ﴿ في الأرض ولا في السماء ﴾ إن قيل: لم قَدَّمَ في الذِّكْر الأرض على السماء، ومن حَقِّ السماء أن تُقَدَّمَ على الأرض لشرفها، وكذلك قَدَّمَها في سورة سبأ (٤) في قوله: ﴿ لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ﴾ [سبأ: ٣].
قلتُ: الأمر على ما ذكرت، لكن لما كان المقصود من هذه السياقة إعلام العباد باطلاع الله على خفايا أعمالهم وأسرارهم، وتنبيههم على تعلق الجزاء بالقليل والكثير، والنقير والفتيل والقطمير من أقوالهم وأفعالهم، قَدَّمَ ذِكْر الأرض؛ لأن الإشارة إلى العِلْم بما فيها أقرب وأدخل في المقصود الذي هو إعلام المكلَّفين وتنبيههم على مجازاتهم، وأوغل في إثبات صفة العلم لله تعالى، على أن العطف
(٢)... الحجة لابن زنجلة (ص: ٣٣٤)، والكشف (١/٥٢٠)، والنشر (٢/٢٨٥)، وإتحاف فضلاء البشر (ص: ٢٥٢)، والسبعة في القراءات (ص: ٣٢٨).
(٣)... في الأصل: معد. والصواب ما أثبتناه. انظر: اللسان، مادة: عزب.
(٤)... يلاحظ أن ذكر السماء قُدّم على ذكر الأرض في سورة سبأ.
(١/٦٦)
---------***#@--فاصل_صفحات---@#***--------