قوله تعالى: ﴿ وأقسموا بالله ﴾ يعني: كفار مكة حلفوا بالله قبل أن يرسل الله تعالى محمداً - ﷺ - حين سمعوا ما قوبل به أهل الكتاب من اللعنة والعذاب، ﴿ لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم ﴾ يعني: اليهود والنصارى وغيرهم. ﴿ فلما جاءهم نذير ﴾ وهو محمد - ﷺ - ﴿ ما زادهم ﴾ مجيئه ﴿ إلا نفوراً ﴾ عن الهدي.
وهذا من الإسناد المجازي؛ لأنه كان السبب في أن زادوا أنفسهم نفوراً.
﴿ استكباراً في الأرض ﴾ مصدر، أو بدل من "نُفُوراً"، أو مفعول له، أو حال بمعنى: مستكبرين وماكرين (١).
قيل: "ومَكْرَ السيء" معطوف على "نُفُوراً" (٢)، ومكر السيء سبق القول عليه.
وقيل: هو من باب إضافة الاسم إلى صفته؛ كقوله تعالى: ﴿ والدار الآخرة ﴾ [الأعراف: ١٦٩]، ﴿ لحق اليقين ﴾ [الحاقة: ٥١].
قرأ حمزة: "السَّيء" بسكون الهمزة، وقلبها في الوقف ياء (٣).
قال أبو علي (٤) : هو على إجراء الوصل مجرى الوقف، ويحتمل أنه خفف آخر الاسم لاجتماع الكسرتين والياءين، كما خففوا الباء من "إبل" لتوالي الكسرتين.
﴿ ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ﴾ قال ابن عباس: عاقبة الشرك لا تحل إلا بمن أشرك (٥).

(١)... انظر: البحر (٧/٣٠٥)، والدر المصون (٥/٤٧٣).
(٢)... مثل السابق.
(٣)... الحجة للفارسي (٣/٣٠٢)، والحجة لابن زنجلة (ص: ٥٩٤)، والكشف (٢/٢١٢)، والنشر (٢/٣٥٢)، والإتحاف (ص: ٣٦٢)، والسبعة (ص: ٥٣٥-٥٣٦).
(٤)... الحجة للفارسي (٣/٣٠٣).
(٥)... ذكره الواحدي في الوسيط (٣/٥٠٨)، وابن الجوزي في زاد المسير (٦/٤٩٨).
... فائدة: قال أبو حيان في البحر (٧/٣٠٥): قال أبو عبد الله الرازي: فإن قلت: كثيراً نرى الماكر يفيده مكره ويغلب خصمه بالمكر، والآية تدل على عدم ذلك؟
... فالجواب من وجوه:
... أحدها: أن المكر في الآية هو المكر بالرسول، من العزم على القتل والإخراج، ولا يحيق إلا بهم حيث قتلوا ببدر.
... وثانيها: أنه عام؛ وهو الأصح، فإنه عليه السلام نهى عن المكر وقال: "لا تمكروا ولا تعينوا ماكراً، فإنه تعالى يقول: ﴿ ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ﴾، فعلى هذا يكون ذلك الممكور به أهلاً فلا يرد نقضاً.
... وثالثها: أن الأمور بعواقبها، ومن مكر به غيره ونفذ فيه المكر عاجلاً في الظاهر، ففي الحقيقة هو الفائز، والماكر هو الهالك. انتهى.
(١/٣٠٦)
---------***#@--فاصل_صفحات---@#***--------


الصفحة التالية
Icon