فإن قيل: كيف يكون قوله: ﴿أنا خير منه﴾ جواباً لما منعك وإنما الجواب أن يقول منعني كذا؟ أجيب: بأنه جواب من حيث المعنى استأنف به استبعاداً لأن يكون مثله مأموراً بالسجود لمثله كأنه قال المانع: إني خير منه ولا يحسن للفاضل أن يسجد للمفضول فكيف يحسن أن يؤمر به فهو الذي سنّ التكبر وقال: بالحسن والقبح العقليين أوّلاً وعلل الخيرية بقوله تعالى: ﴿خلقتني من نار﴾ فهي أغلب أجزائي وهي مشرقة مضيئة عالية غالبة ﴿وخلقته من طين﴾ أي: هو أغلب أجزائه وهو كدر مظلم سافل مغلوب فكل منهما مركب من العناصر الأربعة فالإضافة إلى ما ذكر باعتبار الجزء الغالب، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أوّل من قاس إبليس فأخطأ فمن قاس الدين بشيء من رأيه قرنه الله تعالى مع إبليس، قال ابن سيرين: ما عبدت الشمس إلا بالقياس وإنما أخطأ إبليس لأنه رأى الفضل كله باعتبار العنصر وغفل عما يكون باعتبار الفاعل كما أشار إليه بقوله تعالى: ﴿ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي﴾ (ص، ٧٥)
أي: بغير واسطة وباعتبار الصورة كما نبه عليه تعالى بقوله: ﴿ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين﴾ (الحجر، ٢٩)
(١٥/٢٩٥)