﴿قال﴾ الله تعالى لإبليس ﴿فاهبط منها﴾ أي: من الجنة، وقيل: من السماء إلى الأرض، والهبوط الإنزال والانحدار من فوق على سبيل القهقري والهوان والاستخفاف ﴿فما يكون﴾ أي: فما يصح ﴿لك أن تتكبر فيها﴾ عن أمري لأنّ الجنة أو السماء مكان الخاشع المطيع لأمر الله تعالى وفيه تنبيه على أن التكبر لا يليق بأهل الجنة والسماء وأنه تعالى إنما طرد إبليس لتكبره لا لمجرّد المعصية قال ﷺ كما رواه البيهقيّ: «من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر وضعه الله» وعن عمر رضي الله عنه: من تواضع رفع الله حكمته، ومن تكبر وعلا طوره هضمه الله إلى الأرض ﴿فأخرج﴾ منها ﴿إنك من الصاغرين﴾ أي: الكفرة الأذلاء المهانين والصغار الذل والمهانة، قال الزجاج: استكبر عدوّ الله إبليس فابتلاه الله تعالى بالصغار والذلة، وقيل: كان له ملك الأرض فأخرجه الله منها إلى جزائر البحر الأخضر وعرشه عليه فلا يدخل الأرض إلا خائفاً كهيئة السارق مثل شيخ عليه إطمار رثة يروغ فيها حتى يخرج منها.
﴿قال﴾ إبليس عند ذلك ﴿أنظرني﴾ أي: أخرني ولا تمتني ولا تعجل عقوبتي ﴿إلى يوم يبعثون﴾ أي: الناس وهو النفخة الأخيرة عند قيام الساعة، وهذا من جهالة إبليس الخبيث لأنه سأل ربه الإمهال وقد علم إنه لا سبيل لأحد من الخلق إلى البقاء في الدنيا ولكنه كره أن يذوق الموت فطلب البقاء والخلود فلم يجب إلى ما سأل بل أجابه الله تعالى بقوله: ﴿قال إنك من المنظرين﴾ لا إلى ذلك الوقت بل إلى الوقت المعلوم كما بينه تعالى في سورة الحجر بقوله تعالى: ﴿فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم﴾ (الحجر، ٣٧ ـ ٣٨)
وذلك هو النفخة الأولى التي يموت فيها الخلق.
(١٥/٢٩٧)