ثم بين علة الوسوسة بقوله تعالى: ﴿ليبدي﴾ أي: ليظهر ﴿لهما ما ووري﴾ أي: ستر وغطى ﴿عنهما من سوآتهما﴾ أي: عوراتهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر وفيه دليل على أن كشف العورة في الخلوة وعند الزوجة من غير حاجة قبيح مستهجن في الطباع قالت عائشة رضي الله عنها: «ما رأيت منه ﷺ ولا رأى مني» أي: الفرج.
﴿وقال﴾ أي: إبليس لآدم وحواء ﴿ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة﴾ أي: عن الأكل منها ﴿إلا أنّ﴾ أي: كراهة أن ﴿تكونا ملكين﴾ أي: في عدم الشهوة وفي القدرة على الطيران والتشكل وغير ذلك من خواصهم ﴿أو تكونا من الخالدين﴾ أي: الذين لا يموتون ولا يخرجون من الجنة أصلاً كما في آية أخرى، ﴿هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى﴾ (طه، ١٢)
﴿وقاسمهما﴾ أي: أقسم لهما بالله على ذلك وأخرجه على زنة المفاعلة للمبالغة، وقيل: أقسما له بالقبول، وقيل: أقسما عليه بالله إنه لهما لمن الناصحين فأقسم لهما ﴿أني لكما لمن الناصحين﴾ فجعل ذلك مقاسمة وقال قتادة: حلف لهما بالله حين خدعهما وقد يخدع المؤمن بالله تعالى فقال: إني خلقت قبلكما وأنا أعلم فاتبعاني أرشدكما وفيه تنبيه على الاحتراز من الحالف وإن الأغلب أنّ كل حلاف كاذب وأنه لا يحلف إلا عند ظنه أن سامعه لا يصدقه ولا يظنّ ذلك إلا وهو معتاد للكذب، وقال بعض العلماء: من خادعنا بالله خدعنا له، وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان إذا رأى من عبده طاعة وحسن صلاة أعتقه وكان عبيده يفعلون ذلك طلباً للعتق فقيل له: إنهم يخدعونك فقال: من خدعنا بالله انخدعنا له وإبليس لعنه الله تعالى أوّل من حلف بالله تعالى كاذباً فلما حلف ظن آدم أنّ أحداً لا يحلف بالله تعالى كاذباً فاغتر به.
(١٥/٣٠١)


الصفحة التالية
Icon