فهم يرون بني آدم وبنو آدم لا يرونهم، وعن مجاهد: قال إبليس: جعل لنا أربعة نرى ولا نرى ونخرج من تحت الثرى ويعود شيخنا فتى، وعن ابن دينار أن عدوّاً يراك ولا تراه لشديد المؤنة إلا من عصمه الله تعالى ومنع الرؤية إذا كانوا على خلقتهم الأصلية وإلا فقد يرون وأعند تشكلهم بصورة حيوان أو طير أو غير ذلك فإنّ للجنّ قوّة التشكل وهذا أمر شائع ذائع، وقد رؤي إبليس على صورة شيخ وتمثل لكثير من العباد على صورة حية بل قال شيخنا القاضي زكريا: والحق جواز رؤيتهم حتى من تلك الجهة كما هو ظاهر الأحاديث الصحيحة وتكون الآية مخصوصة بها فيكونون مرئيين في بعض الأحيان لبعض الناس دون بعض ﴿إنا جعلنا الشياطين أولياء﴾ أي: أعواناً وقرناء ﴿للذين لا يؤمنون﴾ لما بينهم من التناسب في الطباع.
﴿وإذا فعلوا فاحشة﴾ كالشرك وطوافهم بالبيت عراة فنهوا عنه ﴿قالوا﴾ معللين لارتكابهم إياها بأمرين: أحدهما قولهم: ﴿وجدنا عليها﴾ أي: الفاحشة ﴿آباءنا﴾ فاقتدينا بهم والثاني قولهم: ﴿وا أمرنا بها﴾ افتراء عليه سبحانه وتعالى فأعرض الله تعالى عن الأوّل لظهور فساده ورد عن الثاني بقوله: ﴿قل﴾ لهم يا محمد ﴿إنّ الله لا يأمر بالفحشاء﴾ لأن عادته سبحانه وتعالى جرت على الأمر بمحاسن الأفعال والحث على مكارم الخصال ﴿أتقولون على الله ما لا تعلمون﴾ أنه قاله فإنكم لم تسمعوا كلام الله من غير واسطة ولا أخذتموه عن الأنبياء الذين هم وسائط بين الله وبين عباده وهو استفهام إنكاري يتضمن النهي عن الافتراء على الله، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بإبدال الهمزة الثانية في الوصل والباقون بالتحقيق.
﴿قل﴾ يا محمد لهؤلاء الذين يقولون ذلك ﴿أمر ربي بالقسط﴾ أي: بالعدل وهو الوسط من كلام المتجافي عن طرفي الإفراط والتفريط وقال ابن عباس: بلا إله إلا الله ﴿وأقيموا﴾ أي: وقل لهم أقيموا ﴿وجوهكم﴾ لله ﴿عند كل مسجد﴾ أي: أخلصوا له سجودكم.
(١٥/٣١١)