فإن قيل: لم قال قوم نوح: إنا لنراك في ضلال مبين، وقوم هود: إنا لنراك في سفاهة؟ أجيب: بأنّ نوحاً لما خوّف قومه بالطوفان وطفق في عمل السفينة في أرض ليس فيها من الماء شيء قال له قومه: إنا لنراك في ضلال مبين حيث تتعب في إصلاح سفينة في هذه الأرض، وأمّا هود عليه السلام لما زيف عبادة الأصنام ونسب من عبدها إلى السفه وهو قلة العقل قابلوه بمثله فقالوا: إنا لنراك في سفاهة ﴿وإنا لنظنك من الكاذبين﴾ أي: في ادعائك أنك رسول من رب العالمين.
﴿قال﴾ هود لهؤلاء الملأ الذين نسبوه إلى السفه ﴿يا قوم ليس بي سفاهة﴾ أي: ليس الأمر كما تزعمون أنّ بي سفاهة ﴿ولكني رسول من رب العالمين﴾.
(١٥/٣٤٨)
﴿أبلغكم رسالات ربي﴾ أي: أؤدي إليكم ما أرسلني به من أوامره ونواهيه وشرائعه وتكاليفه ﴿وأنا لكم ناصح﴾ أي: فيما آمركم به من عبادة الله تعالى ﴿أمين﴾ أي: مأمون على تبليغ الرسالة وأداء النصح والأمين الثقة على ما إئتمن عليه.
فإن قيل: لم قال نوح: وأنصح لكم بصيغة الفعل وقال هود: وأنا لكم ناصح بصيغة اسم الفاعل؟ أجيب: بأنّ صيغة الفعل تدل على تجدده ساعة بعد ساعة وكان نوح يدعو قومه ليلاً ونهاراً كما أخبر الله تعالى عنه بقوله: ﴿رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً﴾ (نوح، ٥)
(١٥/٣٤٩)
فلما كان ذلك من عادته ذكره بصيغة الفعل فقال: ﴿وأنصح لكم﴾ وأمّا هود فلم يكن كذلك بل كان يدعوهم وقتاً دون وقت فلهذا قال: ﴿وأنا لكم ناصح أمين﴾.
فإن قيل: مدح الذات بأعظم صفات المدح غير لائق بالعقلاء؟ أجيب: بأنه فعل هود ذلك لأنه كان يجب عليه إعلام قومه بذلك ومقصوده الرد عليهم في قولهم: ﴿وإنا لنظنك من الكاذبين﴾ فوصف نفسه بالأمانة وأنه أمين في تبليغ ما أرسل به من عند الله وفيه دليل على جواز مدح الإنسان نفسه في موضع الضرورة إلى مدحها.
﴿أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم﴾ سبق تفسيره.
(١٥/٣٥٠)


الصفحة التالية
Icon