فإن قيل: شعيب لم يكن قط على ملتهم حتى يرجع إلى ما كان عليه؟ أجيب: بأنّ أتباع شعيب كانوا على ملة أولئك الكفار فخاطبوا شعيباً وأتباعه جميعاً فدخل هو في الخطاب وإن لم يكن على ملتهم قط لأنّ الأنبياء لا يجوز عليهم الكفر مطلقاً فاستعمل العود في حقهم على سبيل المجاز وجرى بعضهم على أن العود يستعمل بمعنى صار كما يستعمل بمعنى رجع فلا يستلزم الرجوع إلى حالة سابقة بل هو انتقال من حالة سابقة إلى حالة مستأنفة كما قال القائل:

*فإن تكن الأيام تحسن مرّة إليّ فقد عادت لهنّ ذنوب*
راد فقد صارت لهنّ دنوب ولم يرد أن ذنوباً كانت لهنّ قبل الإحسان ﴿قال﴾ لهم شعيب على سبيل الاستفهام الإنكاري ﴿أولو كنا كارهين﴾ أي: كيف نعود فيها ونحن كارهون لها، وقيل: لا نعود فيها وإن أكرهتمونا وجبرتمونا على الدخول فيها لا نقبل ولا ندخل.
﴿قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها﴾ والجواب عن هذا مثل ما أجيب به عن الأوّل وهو أن نقول: إنّ الله نجى قومه الذين آمنوا به من تلك الملة الباطلة إلا أن شعيباً نظم نفسه في جملتهم وإن كان بريئاً مما كانوا عليه من الكفر فأجرى الكلام على حكم التغليب ﴿وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا﴾ أي: إلا أن يشاء خذلاننا وارتدادنا فحينئذ يمضي قضاء الله فينا وينفذ حكمه علينا وفيه دليل على أنّ الكفر بمشيئة الله تعالى، وقيل: أراد به حسم طمعهم في العود بالتعليق على ما لا يكون ﴿وسع ربنا كل شيء علماً﴾ أي: وسع علمه كل شيء فلا يخفى عليه شيء مما كان وما يكون منا ومنكم ﴿على الله توكلنا﴾ في أن يثبتنا على الإيمان ويخلصنا من الأشرار ولما أيس شعيب من إيمان قومه دعا بهذا الدعاء فقال: ﴿ربنا افتح﴾ أي: اقض وافصل واحكم ﴿بيننا وبين قومنا بالحق﴾ أي: بالعدل الذي لا جور فيه ولا ظلم ولا حيف ﴿وأنت خير الفاتحين﴾ أي: الحاكمين.
(١٥/٣٧٠)


الصفحة التالية
Icon