روي أنها ابتلعت كل ما أتوا به من السحر فكانت تبتلع حبالهم وعصيهم واحداً واحداً حتى ابتلعت الكل ثم أقبلت على الذين حضروا ذلك المجمع ففزعوا ووقع الزحام عليهم فمات منهم بسبب ذلك الزحام خمسة وعشرون ألفاً ثم أخذها موسى عليه السلام فصارت في يده عصا كما كانت أوّل مرة فلما رأى السحرة ذلك عرفوا أنه أمر من السماء وليس بسحر وعرفوا أنّ ذلك ليس في قدرة البشر وقوّتهم فعند ذلك خروا سجداً وقالوا: آمنا برب العالمين وذلك قوله تعالى: ﴿فوقع الحق﴾ أي: فظهر الحق الذي جاء به موسى ﴿وبطل ما كانوا يعملون﴾ أي: من السحر وذلك أنّ السحرة قالوا: لو كان ما صنع موسى سحراً لبقيت حبالنا وعصينا فلما فقدت وتلاشت في عصا موسى علموا أنّ ذلك من أمر الله تعالى وقدرته وقرأ حفص: تلقف بسكون اللام وتخفيف القاف والباقون بفتح اللام وتشديد القاف وشدّد التاء البزيّ.
﴿فغلبوا﴾ أي: فرعون وجموعه ﴿هنالك﴾ أي: عند ذلك الأمر العظيم العالي الرتبة ﴿وانقلبوا صاغرين﴾ أي: رجعوا إلى المدينة أذلاء مقهورين ﴿وألقي السحرة ساجدين﴾ أي: أنّ الله تعالى ألهمهم ذلك وحملهم عليه حتى ينكسر فرعون بالذين أراد بهم كسر موسى وينقلب الأمر عليه، قال الأخفش: من سرعة ما سجدوا كأنهم ألقوا.
(١٥/٣٨٧)
قال فرعون: إياي تعنون قالوا: لا بل.
﴿رب موسى﴾ فقال: إياي تعنون لأني أنا الذي ربيت موسى فلما قالوا: ﴿وهارون﴾ زالت الشبهة وعرف الكل أنهم كفروا بفرعون وآمنوا بإله السماء قال مقاتل: قال موسى لكبير السحرة: أتؤمن بي إن غلبتك فقال: لآتينّ بسحر لا يغلبه سحر ولئن غلبتني لأومننّ بك وفرعون ينظر إليهما ويسمع كلامهما فهذا قوله: ﴿إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة﴾ ويقال: إنّ الحبال والعصيّ التي كانت مع السحرة كانت حمل ثلثمائة بعير فلما ابتلعتها عصا موسى عليه السلام كلها قال بعضهم لبعض: هذا أمر خارج عن هذا السحر وما هو إلا من أمر السماء فآمنوا وصدّقوا.


الصفحة التالية
Icon