تنبيه: في الآية فوائد الأولى قولهم: ﴿أفرغ علينا صبراً﴾ أكمل من قولهم أنزل علينا صبراً لأن إفراغ الإناء هو صب ما فيه بالكلية فكأنهم طلبوا من الله تعالى كل الصبر لا بعضه، الثانية: إنّ قولهم صبراً مذكور بصيغة التنكير وذلك يدل على تمام الكمال أي: صبراً تاماً كاملاً، الثالثة: إن ذكر الصبر من قبلهم ومن أعمالهم ثم إنهم طلبوه من الله تعالى وذلك يدل على أنّ فعل العبد لا يحصل إلا بتخليق الله تعالى وقضائه، الرابعة: احتج القاضي بهذه الآية على أنّ الإيمان والإسلام واحد فقال: إنهم قالوا أوّلاً: آمنا بآيات ربنا، ثم قالوا ثانياً: وتوفنا مسلمين فوجب أن يكون ذلك الإيمان هو ذلك الإسلام وذلك يدل على أنّ أحدهما هو الآخر واعلم أنّ فرعون بعد وقوع هذه الواقعة لم يتعرّض لموسى لأنه كان كلما رأى موسى عليه السلام خافه أشدّ الخوف فلهذا السبب لم يتعرّض له إلا أن القوم لم يعرفوا ذلك فقالوا له: ﴿أتذر موسى وقومه﴾ كما حكى الله تعالى ذلك عنهم بقوله تعالى:
(١٥/٣٩١)
﴿وقال الملأ﴾ أي: الأشراف ﴿من قوم فرعون﴾ له ﴿أتذر﴾ أي: تترك ﴿موسى وقومه﴾ من بني إسرائيل ﴿ليفسدوا في الأرض﴾ أي: أرض مصر وأراد بالفساد فيها أنهم يأمرونهم بمخالفة فرعون وهو قولهم: ﴿ويذرك وآلهتك﴾ أي: معبوداتك أي: فلا يعبدك ولا يعبدها، قال ابن عباس: كان لفرعون بقرة حسنة يعبدها وكان إذا رأى بقرة حسنة أمرهم بعبادتها ولذلك أخرج لهم السامري عجلاً، وقال السدي: كان فرعون اتخذ لقومه أصناماً وكان يأمرهم بعبادتها وقال لهم: أنا ربكم ورب هذه الأصنام وذلك قوله: ﴿أنا ربكم الأعلى﴾.


الصفحة التالية
Icon