فإن قيل: أليس قد ضموا إلى التكذيب والغفلة معاصي كثيرة فكيف يكون الانتقام بهذين دون غيرهما؟ أجيب: بأنه ليس في بيان أنه تعالى انتقم منهم بهذين دلالة على نفي ما عداهما. قال الرازي: والآية تدل على أنّ الواجب في الآيات النظر فيها فلذلك ذمّهم بأنهم غفلوا عنها وذلك يدل على أنّ التقليد طريق مذموم ولما بين تعالى إهلاك القوم بالغرق على وجه العقوبة بين تعالى ما فعله بالمؤمنين من الخيرات وهو أنه تعالى أورثهم أرضهم وديارهم فقال تعالى:
﴿وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون﴾ أي: بالاستعباد وذبح الأبناء وأخذ الجزية والأعمال الشاقة وهم بنو إسرائيل ﴿مشارق الأرض ومغاربها﴾ أي: أرض الشأم وهي من الفرات إلى بحر سرف الموضع الذي خرجوا منه من البحر وغرق فيه فرعون وآله كما نقله البقاعي في المائدة عن التوراة، وقيل: المراد جملة الأرض لأنه خرج من جملة بني إسرائيل داود وسليمان عليهما السلام وقد ملكا الأرض ويدل للأوّل قوله تعالى: ﴿التي باركنا فيها﴾ أي: بالخصب وسعة الأرزاق وذلك لا يليق إلا بأرض الشأم ﴿وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل﴾ أي: مضت عليهم واستمرّت من قولهم تم عليه الأمر إذا قضي وهي قوله تعالى: ﴿ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض﴾ (القصص، ٥)
الخ.. والحسنى تأنيث الأحسن صفة للكلمة ومعنى تمت عليهم إنجاز الوعيد الذي تقدّ بإهلاك عدوّهم واستخلافهم في الأرض وإنما كان الإنجاز تماماً للكلام لأنّ الوعد بالشيء يبقى كالشيء المعلق فإذا حصل الموعود به فقد تمّ ذلك الوعد وكمل.
(١٥/٤٠٤)


الصفحة التالية
Icon