﴿إنّ هؤلاء﴾ أي: القوم ﴿متبر﴾ أي: هالك مدمر ﴿ما هم فيه﴾ أي: إنّ الله تعالى يهدم دينهم الذي هم عليه ويحطم أصنامهم ويجعلها رضاضاً ﴿وباطل﴾ أي: مضمحل ﴿ما كانوا يعملون﴾ أي: من عبادتها وإن قصدوا بها التقرب إلى الله تعالى لأن الاشتغال بعبادة غير الله يزيل معرفة الله تعالى من القلب، والمقصود من العبادة رسوخ معرفة الله تعالى في القلب، فكان هذا ضداً للغرض ونقيضاً للمطلوب.
﴿قال﴾ موسى عليه السلام مجيباً لهم على سبيل الإنكار عليهم والتعجب ﴿أغير الله أبغيكم إلهاً﴾ وأصله: أبغي لكم أي: أطلب لكم معبوداً ﴿وهو﴾ أي: والحال أنه هو وحده ﴿فضلكم على العالمين﴾ إذ الإله ليس شيئاً يطلب ويلتمس ويتخذ بل الإله هو الذي يكون قادراً على الإنعام بالإيجاد وإعطاء الحياة وجميع النعم فهذا الموجود هو الإله الذي يجب على الخلق عبادته فكيف يجوز العدول عن عبادته إلى عبادة غيره وفي تفضيلهم على العالمين قولان: الأوّل: أنه تعالى فضلهم على عالمي زمانهم إلا ما يخصه العقل من الأنبياء والملائكة، والثاني: أنه تعالى خصهم بتلك الآيات القاهرة ولم يحصل مثلها لأحد من العالمين وإن كان غيرهم فضلهم بسائر الخصال مثاله: رجل يعلم علماً واحداً وآخر يعلم علوماً كثيرة سوى ذلك العلم فصاحب العلم الواحد مفضل على صاحب العلوم الكثيرة بذلك العلم في الحقيقة.
﴿وإذ أنجيناكم من آل فرعون﴾ أي: واذكروا صنعه معكم في هذا الوقت وقرأ ابن عامر بحذف الياء والنون والباقون بإثباتهما وقوله تعالى: ﴿يسومونكم﴾ أي: يكلفونكم ويذيقونكم ﴿سوء العذاب﴾ أي: أشدّه استئناف لبيان ما أنجاهم أو حال من المخاطبين أو من آل فرعون أو منهما وقوله تعالى: ﴿يقتلون أبناءكم ويستحيون﴾ أي: يستبقون ﴿نساءكم﴾ بدل من يسومونكم سوء العذاب ﴿وفي ذلكم﴾ أي: الإنجاء أو العذاب ﴿بلاء﴾ أي: نقمة أو محنة ﴿من ربكم عظيم﴾ أي: أفلا تتعظون وتنتهون عما قلتم.
(١٥/٤٠٨)


الصفحة التالية
Icon