الثاني إنّ الله تعالى ذكر في أوّل الآية ما يدل على الحصر وهو قوله تعالى: ﴿إنما المؤمنون هم﴾ كذا وكذا وكلمة إنما تفيد الحصر، وذكر في آخر الآية قوله تعالى: ﴿أولئك هم المؤمنون حقاً﴾ وهذا أيضاً يفيد الحصر، فلما دلت هذه الآية على هذا المعنى، ثم إنّ الإنسان لا يمكنه القطع على نفسه بحصول هذه الصفات الخمس، فكان الأولى له أن يقول: إن شاء الله تعالى، وعن الحسن أنّ رجلاً سأله: أمؤمن أنت؟ فقال: الإيمان إيمانان، فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب، فأنا مؤمن بها، وإن كنت تسألني عن قوله تعالى: ﴿إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم﴾ الآية فلا أدري أنا منهم أم لا؟ وقال سفيان الثورّي: من زعم أنه مؤمن حقاً عند الله، ثم لم يشهد أنه من أهل الجنة فقد آمن بنصف الآية، وهذا إلزام منه أي: كما لا نقطع أنه من أهل الجنة قطعاً، فلا نقطع أنه مؤمن حقاً.
الثالث: أنّ قوله: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى للتبرّك، فهو كقوله ﷺ «وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» مع العلم القطعيّ بأنه لاحق بأهل القبور.
الرابع: أنّ المؤمن لا يكون مؤمناً حقاً إلا إذا ختم له بالإيمان، ومات عليه، وهذا لا يحصل إلا عند الموت، فلهذا السبب حسن أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى، فالمراد صرف هذا الاستثناء إلى الخاتمة.
الخامس: أنّ ذكر هذه الكلمة لا ينافي حصول الجزم والقطع ألا ترى أنه تعالى قال: ﴿لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلنّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين﴾ (الفتح، ٢٧)
وهو تعالى منزه عن الشك والريب، فثبت أنه تعالى إنما ذكر ذلك تعليماً منه لعباده فالأولى ذكر هذه الكلمة الدالة على تفويض الأمور إلى الله تعالى حتى يحصل ببركة هذه الكلمة دوام الإيمان، واستدلّ الثاني بوجهين:
(١٦/١٤)


الصفحة التالية
Icon