﴿كما أخرجك ربك من بيتك بالحق﴾ يقتضي تشبيه شيء بهذا الإخراج واختلفوا في تقدير ذلك، فقال المبرد: تقديره الأنفال لله والرسول وإن كرهوا كما أخرجك ربك من بيتك بالحق إلى القتال وإن كانوا كارهين له.
قال الرازي: وهذا الوجه أحسن الوجوه المذكورة في هذا الموضع، وقال عكرمة: تقديره فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، فإنّ ذلك خير لكم كما أنّ إخراج محمد من بيته خير لكم، وإن كرهه فريق منكم، وقال الكسائيّ: الكاف متعلق بما بعده، وهو قوله: ﴿يجادلونك في الحق﴾، والتقدير كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، على كره فريق من المؤمنين كذلك هم يكرهون القتال ويجادلونك فيه، وقيل: الكاف بمعنى على تقديره امض على الذي أخرجك ربك، وقيل: الكاف بمعنى إذ تقديره واذكر إذ أخرجك ربك من بيتك بالحق ﴿وإنّ فريقاً من المؤمنين لكارهون﴾ الخروج والجملة حال من كاف أخرجك، وقيل: كما خبر مبتدأ محذوف أي: هذه الحالة في كراهتهم لها مثل إخراجك في حال كراهتهم، وقد كان خيراً لهم، فكذلك هذه أيضاً، وذلك أنّ أبا سفيان قدم بعير من الشام في أربعين راكباً منهم عمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل الزهريّ، وفيها تجارة كثيرة، فأخبر جبريل عليه السلام رسول الله ﷺ فأخبر المسلمين فأعجبهم لقيّ العير لكثرة المال وقلة العدوّ، فلما سمع أبو سفيان بمسير النبيّ ﷺ إليه استأجر ضمضم بن عمرو الغفاريّ وبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشاً فيستنفرهم ويخبرهم أنّ محمداً وأصحابه قد خرجوا لعيرهم، فخرج ضمضم سريعاً إلى مكة، وكانت عاتكة أخت العباس بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رأت رؤيا فقالت لأخيها العباس: إني رأيت عجباً رأيت راكباً أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته: ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث، فأرى الناس قد اجتمعوا عليه، ورأيت كأنّ ملكاً نزل من السماء فأخذ صخرة من الجبل ثم حلق بها ورمى أي: رمى بها إلى فوق


الصفحة التالية
Icon