وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حدّثه عن أهل بدر قال: إنّ رسول الله ﷺ كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس يقول: «هذا مصرع فلان غداً إن شاء الله تعالى، وهذا مصرع فلان غداً إن شاء الله تعالى» قال عمر فوالذي بعثه بالحق نبياً ما أخطأ الحدود التي حدّها رسول الله ﷺ قال: فجعلوا في بئر بعضهم على بعض فانطلق رسول الله ﷺ حتى انتهى إليهم فقال: «يا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقاً فإني وجدت ما وعدني الله حقاً» فقال عمر: كيف تكلم أجساداً لا أرواح فيها، فقال: «ما أنتم أسمع لما أقول لهم منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا عليّ شيئاً».
وروي أنه قيل لرسول الله ﷺ حين فرغ من بدر: عليك بالعير ليس دونها شيء، فناداه العباس وهو في وثاقه أي: قيده وكان العباس حينئذ مأسوراً مقيداً لا يصلح، فقال له النبيّ ﷺ لم؟ قال: لأنّ الله وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك فكانت الكراهة من بعضهم لقوله تعالى: ﴿وإنّ فريقاً من المؤمنين لكارهون﴾.
﴿يجادلونك في الحق﴾ أي: القتال ﴿بعدما تبين﴾ إنك لا تصنع شيئاً إلا بأمر ربك ﴿كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون﴾ إليه أي: يكرهون القتال كراهة من يساق إلى الموت وهو يشاهد أسبابه وذلك أنّ المؤمنين لما أيقنوا بالقتال كرهوا ذلك، وقالوا: لم يعلمنا أنا نلقى العدوّ فنستعد للقائهم، وإنما خرجنا لطلب العير، إذ روي أنهم كانوا رجالة وما كان فيهم إلا فارسان، وفيه إيماء إلى أنّ مجادلتهم كانت لفرط فزعهم ورعبهم.
(١٦/٢٠)


الصفحة التالية
Icon