القول الثالث: إنها نزلت في يوم أحد في قتل أبيّ بن خلف، وذلك إنه أتى النبيّ ﷺ بعظم رميم وفتته وقال: يا محمد من يحيي هذه وهي رميم؟ فقال ﷺ «يحييه الله، ثم يميتك، ثم يحييك ثم يدخلك النار» فأسر يوم بدر، فلما افتدي قال لرسول الله ﷺ إنّ عندي فرساً أعلفها كل يوم فرقاً من ذرة أقتلك عليه، فقال له رسول الله ﷺ «بل أنا أقتلك إن شاء الله تعالى» فلما كان يوم أحد أقبل أبيّ يركض على ذلك الفرس حتى دنا من رسول الله ﷺ فاعترض له رجال من المسلمين ليقتلوه، فقال رسول الله ﷺ «استأخروا» ورماه بحربة كسر ضلعاً من أضلاعه، فمات ببعض الطريق فنزلت، والأصح الأوّل وإلا أدخل في أثناء القصة كلاماً أجنبياً عنها، وذلك لا يليق، وقال الرازي: لا يبعد أن يدخل تحته سائر الوقائع؛ لأنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: ﴿ولكن الله قتلهم﴾، ﴿ولكن الله رمى﴾ بكسر النون مخففة ورفع الهاء من اسم الله فيهما والباقون بفتح النون مشدّدة ونصب الهاء وقوله تعالى: ﴿وليبلي المؤمنين منه بلاء حسناً﴾ معطوف على قوله تعالى: ﴿ولكن الله رمى﴾ أي: ولينعم عليهم نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة، ثم ختم الله تعالى هذه الآية بقوله تعالى: ﴿إنّ الله سميع﴾ لأقوالكم ﴿عليم﴾ بأحوال قلوبكم وهذا جرى مجرى التحذير والترهيب؛ لئلا يغترّ العبد بظواهر الأمور ويعلم أنّ الخالق تعالى يطلع على ما في الضمائر والقلوب، وقوله تعالى:
﴿ذلكم﴾ إشارة إلى البلاء الحسن، ومحله الرفع أي: الغرض ذلكم، وقوله تعالى: ﴿وإنّ الله موهن كيد الكافرين﴾ معطوف على «ذلكم» أي: المقصود إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وإبطال حيلهم.
(١٦/٣٢)