﴿ولو علم الله فيهم خيراً﴾ أي: سعادة كتبت لهم أو انتفاعاً بالآيات ﴿لأسمعهم﴾ سماع تفهم ﴿ولو أسمعهم﴾ على سبيل الفرض، وقد علم أن لا خير فيهم ﴿لتولوا﴾ عنه ولم ينتفعوا به وارتدّوا عن التصديق والقبول ﴿وهم معرضون﴾ لعنادهم وجحودهم الحق بعد ظهوره، وقيل: إنهم كانوا يقولون لرسول الله ﷺ أحي لنا قصياً فإنه كان شيخاً مباركاً يشهد لك بالنبوّة، فنؤمن بك، فقال الله تعالى: ولو أسمعهم كلام قصي لتولوا وهم معرضون.
﴿ ياأيها الذين آمنوا استجيبوا وللرسول﴾ أي: أجيبوهما بالطاعة، ووحد الضمير في قوله تعالى: ﴿إذا دعاكم﴾؛ لأنّ دعوة الله تعالى تسمع من الرسول صلى الله عليه وسلم
روى الترمذي أنه ﷺ مرّ على أبيّ بن كعب وهو يصلي فدعاه، فعجل في صلاته ثم جاء، فقال له ﷺ «ما منعك عن إجابتي؟» قال: كنت أصلي، قال: «ألم تجد فيما أوحي إليّ ﴿استجيبوا وللرسول﴾؟ ويؤخذ من ذلك أنّ إجابته ﷺ بالقول: لا تقطع الصلاة، وهو كذلك، بل ولا بالفعل الكثير كما قاله بعض أصحابنا، وهو ظاهر الحديث أيضاً.
ولما كان اجتناء ثمرة الطاعة في غاية القرب منه نبه على ذلك باللام دون إلى فقال: ﴿لما يحييكم﴾ من العلوم الدينية فإنها حياة القلوب والجهل موتها، قال أبو الطيب:

*لا تعجبنّ الجهول حليته فذاك ميت وثوبه كفن*
أو مما يورثكم الحياة الأبدية في النعيم الدائم من العقائد، وقال السدي: هو الإيمان؛ لأن الكافر ميت فيحيا بالإيمان، وقال ابن إسحق: هو الجهاد أعزكم الله تعالى به بعد الذل، وقال العتبي: هو الشهادة لقوله تعالى: ﴿بل أحياء عند ربهم يرزقون﴾ (آل عمران، ١٦٩)
﴿واعلموا أنّ الله يحول بين المرء وقلبه﴾ أي: إنه يميته فتفوته الفرصة التي هو واجدها وهي التمكن من إخلاص القلب ومعالجة أدوائه وعلله ورده سليماً كما يردّه الله تعالى، فاغتنموا هذه الفرصة وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله.
(١٦/٣٥)


الصفحة التالية
Icon