﴿وإذ يمكر بك الذين كفروا﴾ فذكر رسوله الله ﷺ نعمه عليه، وهو دفع كيد المشركين ومكر الماكرين عنه، وهذه السورة مدنية، وهذا المكر كان بمكة، ولكن الله تعالى ذكره بالمدينة مكر قريش به حين كان بمكة ليشكر نعمة الله تعالى عليه في نجاته من مكرهم واستيلائه عليهم، وكان ذلك المكر على ما ذكره ابن عباس وغيره من المفسرين إنّ قريشاً لما أسلمت الأنصار وبايعوه فرقوا أن يتفاقم أمر رسول الله ﷺ فاجتمعت رؤساؤهم كأبي جهل وعتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبي سفيان وهشام بن عمرو وطعيمة بن عدي والنضر بن الحرث وأبي البحتري بن هشام في دار الندوة متشاورين في أمره ﷺ فدخل عليهم إبليس لعنه الله تعالى في صورة شيخ، فلما رأوه قالوا: من أنت؟ قال: شيخ من نجد سمعت باجتماعكم، فأردت أن أحضركم ولن تعدموا مني رأياً ونصحاً قالوا: ادخل فدخل، فقال أبو البحتري: رأيي أن تحبسوه في بيت وتسدّوا باب البيت غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه منها وتتربصوا به ريب المنون حتى يهلك مثل ما هلك من قبله من الشعراء، فصرخ عدوّ الله النجدي وقال: بئس الرأي رأيتم والله لئن حبستموه في بيت ليأتينكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه من أيديكم قالوا: صدق الشيخ النجدي، فقال هشام بن عمرو: رأيي أن تحملوه على جمل وتخرجوه من بين أظهركم، فلا يضركم ما صنع واسترحتم، فقال النجدي: بئس الرأي تعمدون إلى رجل قد أفسد سفهاءكم، فتخرجوه إلى غيركم فيفسدهم، ألم تروا إلى حلاوة منطقه وطلاوة لسانه وأخذ القلوب ما يسمع من حديثه؟ والله لئن فعلتم ذلك فيذهب ويستميل قلوب قوم، ثم يسير بهم إليكم ويخرجكم من بلادكم، قالوا: صدق والله الشيخ النجدي، فقال أبو جهل لعنه الله تعالى: والله لأشيرن عليكم برأي لا رأي غيره، إني أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش شاباً وتعطوه سيفاً صارماً، فيضربوه ضربة رجل واحد، فيتفرّق دمه في القبائل، فلا تقوى بنو هاشم على


الصفحة التالية
Icon