وقال مجاهد: كان نفر من بني عبد الدار يعارضون النبيّ ﷺ في الطواف ويستهزؤون به، ويدخلون أصابعهم في أفواههم ويصفرون، ويخلطون عليه طوافه وصلاته، فالمكاء جعل الأصابع في الشدق، والتصدية الصفير، وقال مقاتل: كان النبيّ ﷺ إذا دخل المسجد الحرام قام رجلان عن يمينه ورجلان عن يساره يصفران ويصفقان ليخلطوا على النبيّ ﷺ صلاته ﴿فذوقوا العذاب﴾ أي: عذاب القتل والأسر ببدر في الدنيا، وعذاب النار في الآخرة ﴿بما﴾ أي: بسبب ما ﴿كنتم تكفرون﴾ اعتقاداً وعملاً. ولما ذكر تعالى عبادة الكفار البدنية، وهي المكاء والتصدية، ذكر عقبه عبادتهم المالية التي لا جدوى لها في الآخرة بقوله تعالى:
﴿إنّ الذين كفروا ينفقون أموالهم﴾ في حرب النبيّ ﷺ ﴿ليصدّوا عن سبيل الله﴾ أي: ليصرفوا عن دين الله تعالى نزلت في المطعمين يوم بدر، وكانوا إثني عشر رجلاً منهم: أبو جهل بن هشام وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وكلهم من قريش، وكان يطعم كل واحد منهم أيام بدر عشر جزائر، أو في أبي سفيان استأجر يوم أحد ألفين من العرب سوى من استجاش أي: اتخذه جيشاً، وأنفق عليهم أربعين أوقية، والأوقية اثنان وأربعون مثقالاً، أو في أصحاب العير، فإنه لما أصيب قريش ببدر قيل لهم: أعينوا بهذا المال على حرب محمد لعلنا ندرك ثأرنا ففعلوا ﴿فسينفقونها ثم تكون﴾ أي: عاقبة الأمر ﴿عليهم حسرة﴾ أي: ندامة لفواتها وفوات ما قصدوه ﴿ثم يغلبون﴾ أي: آخر الأمر وإن كان الحرب بينهم سجالاً قبل ذلك كما اتفق لهم في بدر، فإنهم أنفقوا مع الكثرة والقوّة، ولم يغن عنهم شيء من ذلك بل كان وبالاً عليهم فإنه كان سبباً لجراءتهم حتى قدموا فما كان في الحقيقة إلا قوّة للمؤمنين ﴿والذين كفروا﴾ أي: ثبتوا على الكفر ﴿إلى جهنم يحشرون﴾ أي: يساقون إليها يوم القيامة فهم في خزي في الدنيا والأخرة.
(١٦/٤٨)


الصفحة التالية
Icon