فقال: ﴿قل﴾ يا محمد ﴿للذين كفروا﴾ كأبي سفيان وأصحابه ﴿إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف﴾ أي: قل لأجلهم هذا القول وهو أن ينتهوا عن الكفر وقتال النبيّ ﷺ يغفر لهم ما قد سلف من ذلك ولو كان بمعنى خاطبهم به لقيل: إن تنتهوا يغفر لكم ﴿وإن يعودوا﴾ أي: إلى الكفر ومعاداة النبيّ ﷺ ﴿فقد مضت سنة الأوّلين﴾ أي: بإهلاك أعدائه ونصر أنبيائه وأوليائه وأجمع العلماء على أنّ الإسلام يجبّ ما قبله، واختلفوا هل الكافر الأصلي مخاطب بفروع الشريعة؟ وهل يسقط عن المرتدّ ما مضى في حال ردّته كالكافر الأصلي كما هو ظاهر الآية؟ وهل الردّة تحبط ما مضى من العبادات قبلها، ذهب أصحاب الشافعيّ رضي الله تعالى عنه إلى أنه مخاطب بدليل قوله تعالى: ﴿ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين﴾ (المدثر، الآيات: ٤٢ ـ ٤٣)
الآية، وأنّ المرتدّ لا تسقط عنه العبادات الفائتة في الردّة تغليظاً عليه، وأنّ الردّة لا تحبط ما مضى، وقد تقدّم الكلام على ذلك في المائدة، وعن يحيى بن معاذ أنه قال: توحيد لم يعجز عن هدم ما قبله من كفر أرجو أن لا يعجز عن هدم ما بعده من ذنب.
ولما بيّن تعالى أنّ هؤلاء الكفار إن انتهوا عن كفرهم حصل لهم الغفران، وإن عادوا فهم متوعدون سنة الأوّلين أتبعه بالأمر بقتالهم إذا أصرّوا، فقال تعالى:
(١٦/٥٠)