﴿وإذ﴾ أي: واذكروا أيها المؤمنون نعمة الله عليكم إذ ﴿زين لهم﴾ أي: المشركين ﴿الشيطان﴾ أي: إبليس ﴿أعمالهم﴾ الخبيثة بأنّ شجعهم على لقاء المسلمين لما خافوا الخروج من أعدائهم بني بكر بن الحرث جاء إبليس وجند من الشياطين معه راية فتمثل لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الشاعر الكنانيّ وكان من أشرافهم ﴿وقال﴾ غارّاً لهم في أنفسهم ﴿لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم﴾ أي: مجير لكم من كنانة ﴿فلما تراءت الفئتان﴾ أي: التقى الفريقان رأى إبليس الملائكة قد نزلوا من السماء علم عدوّ الله إبليس أنهم لا طاقة لهم بهم ﴿نكص على عقبيه﴾ قال الضحاك: ولى مدبراً وقال النضر بن شميل: رجع القهقرى على قفاه هارباً ﴿وقال إني بريء منكم﴾ قال الكلبي: لما التقى الجمعان كان إبليس في صف المشركين على صورة سراقة بن مالك، وهو آخذ بيد الحرث بن هشام، فنكص عدوّ الله إبليس على عقبيه، فقال له الحرث: إلى أين أتخذلنا في هذه الحالة؟ فقال له عدوّ الله إبليس: ﴿إني أرى ما لا ترون﴾ ودفع في صدر الحرث، وانطلق فانهزموا قال الحسن: رأى إبليس جبريل بين يدي النبيّ ﷺ وفي يده اللجام يقود الفرس ما ركب، قال قتادة: قال إبليس: إني أرى ما لا ترون وصدق وقال: ﴿إني أخاف الله﴾ وكذب والله ما به مخافة الله، ولكن علم أنه لا قوّة له ولا منعة، فأوردهم وأسلمهم، وذلك من عادة عدوّ الله إبليس لعنه الله لمن أطاعه إذا التقى الحق والباطل أسلمهم وتبرأ منهم، وقال عطاء: خاف إبليس أن يهلكه الله تعالى فيمن يهلك، وقيل: أخاف الله عليكم، وقيل: إنه لما رأى جبريل خافه، وقيل: لما رأى الملائكة تنزل من السماء خاف أن يكون الوقت الذي أنظر إليه قد حضر، فقال ما قال إشفاقاً على نفسه.
(١٦/٦٢)