﴿كدأب﴾ أي: دأب هؤلاء الكفار بكفرهم مثل دأب ﴿آل فرعون﴾ وهو عادتهم وعملهم الذي دأبوا فيه أي: داموا عليه فجوزي هؤلاء بالقتل والأسر يوم بدر كما جوزي آل فرعون بالإغراق، وأصل الدأب في اللغة إدامة العمل يقال: فلان دأب في كذا أي: داوم عليه وسميت العادة دأباً لأنّ الإنسان مداوم على عادته مواظب عليها ﴿والذين من قبلهم﴾ أي: من قبل آل فرعون وقوله تعالى: ﴿كفروا بآيات الله﴾ تفسير لدأب آل فرعون ﴿فأخذهم الله بذنوبهم﴾ أي: بسبب كفرهم كما أخذ هؤلاء ﴿الله الله قويّ﴾ أي: على ما يريده فينتقم ممن كفر وكذب رسله ﴿شديد العقاب﴾ ممن كفر وكذب رسله وقوله تعالى:
(١٦/٦٥)
﴿ذلك﴾ إشارة إلى ما حلّ بهم من العقاب ﴿بأن﴾ أي: بسبب أن ﴿الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم﴾ أي: مبدلاً لها بالنقمة ﴿حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾ أي: بأن يبدّلوا ما بهم من الحال إلى حال أسوأ منه.
(١٦/٦٦)
فإن قيل: فما كان من تغيير آل فرعون ومشركي مكة حتى غير الله تعالى نعمته عليهم، ولم تكن لهم حال مرضية فيغيروها إلى حال مسخوطة أجيب: بأنه تعالى كما يغير الحال المرضية إلى المسخوطة يغير الحال المسخوطة؟ إلى أسخط منها، وأولئك كانوا قبل بعثة الرسول ﷺ كفرة عبدة أوثان فلما بعث إليهم بالآيات البينات فكذبوه وعادوه وتحزبوا عليه ساعين في إراقة دمه غيروا حالهم إلى أسوأ مما كانت عليه فغير الله تعالى ما أنعم به عليهم من الإمهال وعاجلهم بالعذاب ﴿وإنّ الله سميع﴾ لما يقولون ﴿عليم﴾ بما يفعلون.
﴿كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم﴾ أي: أهلكنا بعضهم بالرجفة وبعضهم بالخسف وبعضهم بالحجارة وبعضهم بالريح وبعضهم بالمسخ، كذلك أهلكنا كفار قريش بالسيف ﴿وأغرقنا آل فرعون﴾ أي: هو وقومه.
فإن قيل: ما فائدة تكرير هذه الآية مرّة ثانية؟ أجيب: بأنّ فيها فوائد: