﴿ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا﴾ أي: خلصوا من القتل والأسر يوم بدر ﴿إنهم لا يعجزون﴾ الله أي: لا يفوتونه بهذا السبق في الانتقام منهم، إمّا في الدنيا، وإمّا في الآخرة بعذاب النار، وفيه تسلية للنبيّ ﷺ فيمن، فاته من المشركين ولم ينتقم منه، فأعلمه الله تعالى أنهم لا يعجزونه، وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص يحسبن بالياء على الغيبة على أن الفعل للذين كفروا، والباقون بالتاء على الخطاب للنبيّ ﷺ ولما أمر الله تعالى رسوله ﷺ أن يشرد من صدر منه نقض العهد إلى من خاف منه النقص واتفق لأصحاب النبيّ ﷺ أنهم قصدوا الكفار بلا آلة ولا عدة أمرهم في هذه الآية بالإعداد لهؤلاء الكفار بقوله تعالى:
﴿وأعدوا لهم﴾ أي: لقتالهم ﴿ما استطعتم من قوّة﴾ الإعداد اتخاذ الشيء لوقت الحاجة إليه، وفي المراد بالقوّة أقوال.
الأوّل: الرمي وقد جاءت مفسرة به عن النبيّ ﷺ فيما رواه عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله ﷺ وهو على المنبر يقول: «وأعدوا لهم ما استطعتم ألا إن القوّة الرمي ثلاثاً» أخرجه مسلم، وعن أبي أسيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ يوم بدر حين صففنا لقريش وصفوا لنا: «إذا كبسوكم فعليكم بالنبل»، وفي رواية: «ليس من اللهو محمود إلا ثلاثة: تأديب الرجل فرسه، وملاعبة أهله، ورميه بقوسه أي: نبله، فإنهنّ من الحق ومن ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه، فإنها نعمة تركها أو كفرها» أخرجه الترمذي.
والثاني: إنها الحصون.
والثالث: إنها جميع الأسلحة والآلات التي تكون لكم قوّة في الحرب على قتال عدوّكم وقوله تعالى: ﴿ومن رباط الخيل﴾ مصدر بمعنى حبسها في سبيل الله سواء كانت ذكوراً أو إناثاً، وقال عكرمة: المراد الإناث.
(١٦/٧٠)