وحكي أيضاً أنّ أعرابياً قدم في زمن عمر، فقال: من يقرئني مما أنزل الله تعالى على محمد ﷺ فأقرأه رجل براءة، فقال: ﴿إنّ الله بريء من المشركين ورسول﴾ه بالجرّ، فقال الأعرابيّ: أوقد برىء الله من رسوله إن يكن الله بريء من رسوله فأنا بريء منه، فبلغ عمر رضي الله تعالى عنه مقالة الأعرابيّ فدعاه فسأله فأخبره الأعرابيّ بذلك، فقال عمر: ليس هكذا يا أعرابيّ فقال: فكيف هي يا أمير المؤمنين؟ فقال: ﴿إنّ الله بريء من المشركين ورسوله﴾ بالرفع، فقال: وأنا والله أبرأ مما برىء الله ورسوله منه، فأمر عمر أن لا يقرأ القرآن إلا عالم باللغة، وأمر أبا الأسود الدؤلي فوضع النحو. ﴿فإن تبتم﴾ أي: عن الكفر والغدر ﴿فهو﴾ أي: ذلك الأمر العظيم وهو المتاب ﴿خير لكم﴾ أي: من الإقامة على الشرك، وهذا ترغيب من الله في التوبة والإقلاع عن الشرك الموجب لدخول النار. ﴿وإن توليتم﴾ أي: أعرضتم عن الإيمان والتوبة من الشرك ﴿فاعلموا أنكم غير معجزي الله﴾ وذلك وعيد عظيم وإعلام بأنّ الله تعالى قادر على إنزال أشدّ العذاب بهم كما قال تعالى: ﴿وبشر الذين كفروا بعذاب أليم﴾ أي: مؤلم وهو القتل والأسر في الدنيا والنار في الآخرة ولفظ البشارة هنا ورد على سبيل الإخبار أو على سبيل الاستهزاء كما يقال محبتهم الضرب وإكرامهم الشتم، وقوله تعالى:
﴿إلا الذين عاهدتم من المشركين﴾ استثناء من المشركين وهم بنو ضمرة حيّ من كنانة أمر الله تعالى رسوله ﷺ بإتمام عهدهم إلى مدّتهم، وكان قد بقي من مدّتهم تسعة أشهر، وكان السبب فيه أنهم لم ينقضوا كما قال تعالى: ﴿ثم لم ينقصوكم شيئاً﴾ أي: من عهودكم التي عاهدتموهم عليها ﴿ولم يظاهروا﴾ أي: ولم يعاونوا ﴿عليكم أحداً﴾ من عدوّكم ﴿فأتموا إليهم عهدهم إلى مدّتهم﴾ أي: إلى انقضائها، ولا تجروهم مجرى الناكثين. وقوله تعالى: ﴿إنّ الله يحب المتقين﴾ تعليل وتنبيه على أن إتمام عهدهم من باب التقوى.
(١٦/٩٦)


الصفحة التالية
Icon