﴿كيف﴾تكرار للاستبعاد بثبات المشركين على العهد وحذف الفعل لكونه معلوماً أي: كيف يكون لهم عهد ثابت ﴿وإن﴾ أي: والحال أنهم مضمرون لكم الغدر والخيانة، فهم إن ﴿يظهروا عليكم﴾ أي: يعلو أمرهم على أمركم بأن يظفروا بكم بعد العهد والميثاق ﴿لا يرقبوا﴾ أي: لا يراعوا ﴿فيكم﴾ أي: في أذاكم بكل جليل وحقير ﴿إلا﴾ أي: قرابة محققة قال حسان:

*لعمرك إن إلّك من قريش كإلِّ السقب من رأل النعام*
السقب: ولد الناقة، والرأل: ولد النعامة، والخطاب في لعمرك لأبي سفيان، أي: لا قرابة بينك وبين قريش كما لا قرابة بين ولد الناقة وولد النعامة. وقيل: إلا إلهاً، وقيل: جبريل ﴿ولا ذمة﴾ أي: عهداً بل يؤذوكم ما استطاعوا وقوله تعالى: ﴿يرضونكم بأفواههم﴾ أي: بكلامهم كلام مبتدأ في وصف حالهم من مخالفة الظاهر الباطن مقرّر لاستبعاد الثبات منهم على العهد ﴿وتأبى قلوبهم﴾ أي: عن الوفاء به لمخالفة ما فيها من الأضغان ﴿وأكثرهم فاسقون﴾ أي: راسخو الأقدام في الفسق.
(١٦/١٠١)
فإن قيل: الموصوفون بهذه الصفة كفار، والكفر أقبح وأخبث من الفسق، فكيف يحسن وصفهم بالفسق في معرض المبالغة في الذم. وأيضاً الكفار كلهم فاسقون فلا يبقى لقوله: وأكثرهم فائدة؟ أجيب: بأنّ الكافر قد يكون عدلاً في دينه، فلا ينقض العهد، وقد يكون فاسقاً خبيث النفس في دينه فينقضه، فالمراد بالفسق هنا نقض العهد، وكان في المشركين من وفى بعهده، فلهذا قال: وأكثرهم أي: إنّ هؤلاء الكفار الذين من عادتهم نقض العهد أكثرهم فاسقون في دينهم وعند أقوامهم وذلك يوجب المبالغة في الذم. وقال ابن عباس: لا يبعد أن يكون بعض أولئك الكفار قد أسلم وتاب فلهذا السبب قال: ﴿وأكثرهم فاسقون﴾ حتى يخرج عن هذا الحكم أولئك الذين دخلوا في الإسلام.


الصفحة التالية
Icon